أحمد ربي أنني من جيل أدرك شيئًا من بساطة الحياة في المملكة، لذلك عندما يتحسر آباؤنا وأجدادنا على الماضي أحاول أن أتسلل بكلامي بينهم ليعلم الجميع أنني “منهم وفيهم”، ولي الحق أن أتحسّر كما يتحسرون، وأحنّ كما يحنون إلى ما يميّز ذلك الماضي حتى إلى عهد يكاد يكون قريبًا، وأقصد البساطة. من أكثر الأماكن التي أحنّ فيها إلى الماضي.. الأعراس، وبقدر ما أفرح للعريسين، بقدر ما أصاب بذهولٍ مزمن حين أقارن بين أعراس اليوم وأعراس الماضي، ثم قررت بعد أن تكررت حالات الذهول حدَّ المللِ إلى أن أستحضر السبب الذي يجعلني أحنّ إلى ذلك الماضي كي لا أكون مجحفًا وظالمًا، فيظن البعض أن السبب الحقيقي لكوني أشتاق أنني كنت طفلًا آنذاك فلذلك أرى أن كل المناسبات أعيادًا في ذلك الوقت. وهذا فيه جانبٌ من الصحة.. ولكن ليس هذا السبب الوحيد، فبشيءٍ من التأمل والمقارنة سنعلم جميعًا أن الأمر يتعلق بالبساطة، وهو -كما ذكرت- ما يميز ماضينا، فحين كانت البساطة هي السمة الغالبة في مجتمعنا كنا أكثر انبهارًا بالمناسبات، وأكثر تواضعًا للحظات الجميلة، لأن من سمات البساطة التفاعل الإيجابي، والعطاء الجميل من روحك ونفسك ووجودك، وطهارة قلبك، فلذلك كنا نعطي الأعياد والأعراس والمعارف حقها، ولكن أثر علينا كبرياء المدينة، وقيود التقنية الجميلة.. التي تخلق لنا متعة أنانية تجعلك غريبًا عن متع التجمعات وحيدًا في سمر المناسبات وأنسها، فصارت الأعراس -بعض الشيء- كالمآتم لأن التصنّع والتفاخر المادي المغلف بالكبر أخذ يوسّع الحدود من حول نفوسنا وشخصياتنا فصرنا نحذر من بثّ صادق المشاعر والأحاسيس حتى مع أقرب الناس إلينا. أرجو ألا يكون كلامي هذا دافعًا للإحباط بقدر ما أتمنى أن يدفعنا للالتفات إلى أحوالنا في المناسبات الاجتماعية مع الأقارب والأصدقاء، فنقبل على من يقبل علينا، ونحسن إلى من أسره التصنّع.. لعل وعسى، ونفرح بقلوبنا وملامحنا بالأعياد والأفراح ونتفاعل في ذلك مع الغير، لنربح مع المظاهر المغرية صدق مشاعرنا تجاه الغير.