اطلعت على تقرير اقتصادي هام تناول التعريف الأمثل لمشكلة غياب التخطيط للمشروعات الكبيرة والضخمة، التي تتعثر وتنتج عنها خسائر فادحة قدرت بحوالى (100) مليار ريال سنويًا. هذا التقرير جعلني أربط بين عدة أمور؛ أهمها: هذا التراجع الخطير في تنفيذ المشروعات الكثيرة صغيرها وكبيرها، التي أخذت في شكلها العام مسمى “التعثر” تعثر الكثير من المشروعات الهامة والحيوية التي رصدت لها الدولة “أعزها الله” الأموال الطائلة ولم تجد الوفاء من الأطراف الأخرى، ولكن ما أعرفه ويعرفه غيري أن هذا التعثر هو “حيلة البليد”، حينما يصادف المقاول الذي يعمل من الباطن بأنه وقع في مشكلة القدرة على الإيفاء والتعامل المهني مع المشروع فيلجأ إلى أي حيلة يعلن توقفه تحت مسمى نظامي “تعثر”.. وهنا مكمن الخلل الذي يؤكد غياب الضمير.. وغياب المسؤولية الوطنية.. ثم غياب أو انعدام الأمانة.. ولاحتواء هذا المرض لا بد من فتح الملفات من أول ورقة، ولا يتم إغلاقها إلا بمعاقبة قاسية وشديدة بحجم الهدر المتواصل، الذي نتج عن ذلك التعثر، ويجب أن تكون تلك المحاسبة على المستويات كافة تبدأ من المسؤول عن الإعلان عن المناقصة، وترسيتها ودراسة عروضها، ومن ثم التوقيع على عقودها، ومراقبة أداء تنفيذها، وموعد تسليمها. لقد كان انتقاد العديد من المختصين حول غياب مفهوم التخطيط الاستراتيجي واستخداماته، الذي نجح في كثير من الدول الأوروبية المتقدمة، ولم ينجح أو يفعل في بلادنا بالمستوى، الذي يحقق الغرض، وبدون شك فإن غياب ذلك التخطيط يحد من الاستفادة المثلى من تلك المشروعات ليس فقط لضعف إدارة المشروعات، في أي جهاز حكومي أو خاص إنما أيضًا سوء تخطيط وعدم وجود خطط مشروعاتية شاملة، لذلك يعتبر غياب التخطيط الذي أعنيه هو ما يحدث أمامنا وأمام المسؤولين من تنفيذ لا تحكمه مواصفات دولية احترافية أو حتى وعي صادق بما يحدث، فاليوم يتم حفر شارع لتنفيذ مشروع أو صيانة شبكة مياه، وبعد فترة يتم حفر نفس الشارع لتنفيذ شبكة صرف صحي، وبعدها شبكة اتصالات وما إلى ذلك، الأمر الذي يكبد خزينة الدولة أكثر من (100) مليار ريال سنويًا، إضافة إلى خسائر مالية وبشرية وزمنية غير مباشرة، ولا بد من التأكيد على أنه حينما يتم العمل على مفهوم التخطيط الاستراتيجي يمكن تطوير خطة مشروعات شاملة لجميع المشروعات، التي تحتاج إليها الدولة خلال فترة زمنية معينة، ويفضل في مثل هذه الحالات أن تكون طويلة الأجل، لأنه وكما هو معروف لا يمكن تنفيذ مشروع بنية تحتية أو الاستفادة منه دون تنفيذ مشروعات غير إنشائية داعمة له.. لابد من احترام آلية العمل الجماعي المنظم، الذي يجنبنا هذا الهدر في الأموال وفي الوقت، والمتابع لمشروعاتنا الجديدة التي صرفت عليها الملايين وأغرقتها السيول والأمطار من أول رشة مطر، والأخرى التي لا زالت تشوه أكبر شوارع العروس وهو “جسر الستين” تقاطع شارع فلسطين، الذي يعد من أقبح مشروعات المدينة وأخطرها(!!!) وقد فتحت هذه الصحيفة قبل أيام ملف مشكلة هذا الجسر وما آل إليه حتى هذه اللحظة، لقد أوضحت وجود أخطاء جسيمة في تصميم الجسر وتم تكوين لجنة عاجلة من قبل أمانة محافظة جدة عملت على كشف تلك الأخطاء في عمليات الترقيع الحاصلة هذه الأيام، ولكن لازلت مُصرا على أهمية فتح ملف هذه الكارثة من أوله ومحاسبة المتسبب. إن خطورة هذا الهدر الذي تم في هذا الجسر وتمثلت في الخسائر الجسيمة في الأموال وفي إحداث حالة الفوضى في تلك المنطقة “قلب جدة” طوال أكثر من أربع سنوات(!!!).. أكدت اللجنة المكونة من قبل أمانة محافظة جدة على أن هناك أخطاء جسيمة في الأعمال الهندسية الجاري تنفيذها حاليًا في المشروع، التي تم اعتمادها لتكون المعالجة للأخطاء الماضية.. نعم أخطاء في معالجة أخطاء الواقعة الأولى(!!).. لقد طالب أحد مهندسي اللجنة المذكورة إيقاف أعمال المشروع “وهنا الكارثة لكى لا يتحول المشروع إلى مصيدة خطيرة للمركبات نتيجة تجمع مائي سيؤثر على الطبقة الأسفلتية ويعوق جهود الإنقاذ في حالة وقوع حوادث “لا قدر الله” في أي لحظة، وقد كانت اللجنة واضحة جدًا في إشعار الرأي العام بأن المقاول الذي أعطى الفرصة لإصلاح ما أفسده المقاول السابق قد أحدث حفريات أسفل الجسر بمكان إنشاء الدوران (المنفذ) تمثل مصيدة خطيرة للمركبات لانخفاض منسوبها عن الطرق المحيطة بالجسر، وأوضح التقرير العديد من الحقائق التي تؤكد فعلًا أن هؤلاء الذين أعطيت لهم الفرص ليسوا مقاولين بل (......) فلا بد من حل يا أهل الحل(!!). لابد من الاعتراف هنا أن بعض مشروعاتنا تحتاج إلى خبرات عالمية، وعمالة تدرك ما تفعل.. لا تفعل ما لا تدرك.. إن هذا الجسر المشكلة يؤكد ما أشرت إليه حول غياب حقيقة التخطيط من الخطوة الأولى.. لذلك أعيد وأكرر لابد من فتح الملفات، ومحاسبة المقصرين بل المستهترين بأموال الدولة ومقدراتها.