إذا لم يتغير الإنسان من الداخل، فإن أكبر قوة على وجه الأرض لا يمكنها أن تغيره. القوانين البوليسية يمكنها أن تقهر الإنسان، لكنها لا يمكن أن تقنعه، وبالتالي لا يمكنها أن تغيره. التحدي الحقيقي هو أن تنجح في تغيير الإنسان من الداخل وبمحض إرادته، وليس أن تنجح في أن تفرض عليه نهجًا سلوكيًا يمكنه أن يتحلل منه بمجرد أن يبتعد عن عيون الرقيب. الأخلاق لا يمكن أن تعيش في ظل حماية العصا. والقيم لا يمكن فرضها بقوة القانون. حتى الأديان نفسها كانت دعوة موجهة للضمائر والعقول والوجدان الإنساني. والدعوة -حسب مفهومها المتفق عليه بين الجميع- يمكن تلبيتها ويمكن رفضها.. أي أن الإكراه والجبر ليس لهما علاقة بالدعوة أيًا كانت طبيعة هذه الدعوة. إذا كان هذا هو الحال مع المسألة العقائدية والإيمانية، فكيف يكون الحال إذا مع المسألة الأخلاقية؟ التكوين الإنساني الذي فطر الله عليه الناس، يتعارض مع الإكراه. الإنسان مخلوق حر كما أراد الله له أن يكون، ولذلك فهو مكلف ومسؤول عن اختياراته ومحاسب عليها. ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان لوجود مبادئ الحساب والثواب والعقاب أي مبرر. وفي الإسلام بالتحديد هناك نصوص قرآنية صريحة تكفل حرية الفرد وتحميه من أية إجراءات يمكن أن تتخذها أية سلطة بهدف التجسس عليه.. أي بهدف الاعتداء على حريته. يقول الله سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” الحجرات. الآية تتجاوز النهي عن التجسس إلى حد النهي عن مجرد الظن. وهذا يعني أن القرآن نهى عن السبب الرئيس الذي يمكن أن يؤدي إلى التجسس على الفرد، ولم يتوقف فقط عند النهي عن سلوك التجسس وحده. لقد سبق هذا النهي، جميع البنود القانونية التي تحتوي عليها دساتير الدول الغربية التي يدعي معظمها الديمقراطية ويرفع شعار الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، بما يتجاوز أربعة عشر قرنًا من الزمان. لكن هل نعي نحن المسلمين ذلك؟!