مثلما يستبد بي الحنين إلى المملكة، وأنا أسافر من عاصمة إلى عاصمة، كطائر علقت به غواية الطيران، لكنه يأبى إلا أن يعود إلى أرضه، يقبل ترابها حينا، ويصافح أبناءها أحيانا، هكذا يستبد الحنين بواحدة ممن عشقت تراب المملكة، لكنها مضطرة لاستمرار التحليق بعيدًا عن أرضها، فهي المستشارة الدبلوماسية، وهي ابنة أول دبلوماسي سعودي في الجامعة العربية، وهي صاحبة فكر وقلم للدفاع عن قضايا الأمة وهمومها. سافرت هذه المرة إليها، كانت تعد نفسها في القاهرة لمهمة جديدة، اقتنصت ساعتين قبيل سفرها لأكتب قصة نجاحها، كان هناك ترتيب مسبق ما بين مكتب “المدينة” في جدة ومكتب القاهرة، لكن المهمة التي كلفت بها فجأة فرضت نفسها، ها أنا ذا الآن مع المستشارة إلهام غسال، كنت قد قرأت عنها، ولها، أثناء الإعداد للقاء، الحنين إلى معرفة البدايات، والبحث عن الجذور كان أهم ما يشغلني، ولا أخفي أنني شعرت بكثير من الفخر وأنا أسجل ضمن قصص النجاح التي أكتبها، قصة أول عائلة دبلوماسية سعودية ولدت مع الجامعة العربية. أبي أول دبلوماسي سعودي بالجامعة العربية: بادرتني بالكلام، كأنها تريد أن ترجعني إلى سنوات طفولتها: أنا ابنة الدكتور غسال، تعرضت لما يتعرض له أبناء الدبلوماسيين، الحنين الزائد للوطن، الذي يعيش بالوطن لا يحس ذلك الحنين الذي نشعر به نحن، إحساس مستمر بالغربة، في الطفولة أنت لا تشعر بالغربة مهما كنت غريبا، لكن في المراهقة يبدأ ذلك الإحساس المر، أنت تدرك أكثر من أي وقت مضى، في المراهقة استبد بي الحنين، كانت تلح علي رغبة الرجوع إلى وطني. قلت: أنت من مواليد القاهرة، اعتدت الحياة فيها، وارتبطت بناسها، قالت: أنا ولدت بالقاهرة، في حي الدقي، شارع وزارة الزراعة، أسرة من أربعة أبناء (بنتين وولدين)، وأمي مصرية جامعية، والدي شاعر وكان أول سعودي يلتحق بجامعة الدول العربية، وكانت له صلة بمصر قبل إنشاء الجامعة، فقد التحق بجامعة القاهرة كلية الآداب، قسم اللغة العربية، ثم حصل على الماجستير وهو العاشق للآداب، ثم عاد إلى مكة وعمل بمكة والطائف، افتتح العديد من المدارس، عندما كان يقوم بعمل الماجستير بالقاهرة كانت أمي تدرس بكلية الآداب، وأعجب بها، كانت تكتب القصة، وكانت يكتب فيها الكثير من الغزل، أخي الفنان خالد غسال، عمل أعمالا كثيرة، ومثل أدوار بطولة في الدراما المصرية، مازلت ألازم أمي في البيت الذي ولدت فيه، في المرحلة الابتدائية درست في مارون دو ديو كل دراستها باللغة الإنجليزية حتى المرحلة الثانوية، حيث انتقلت إلى مدرسة العروبة للغات، كان والدي حريصا على أن نرتاد المسارح ونحن صغار، رحنا مسرح العرائس، الشيء الذي نما لدي الحس الفني، وظهرت عندي موهبة التمثيل منذ صغري، ولا زلت أحب التمثيل، كنت أتمنى أن أتحقق في هذا الجانب، رغم أنني -الآن- أصغر مستشارة دبلوماسية في جامعة الدول العربية بفضل تاريخي في العمل الدبلوماسي، يمكن أن أكون أحببت العمل الدبلوماسي من خلال الوالد، في المرحلة الثانوية ملت إلى حب الأدب والدراما، وهو ما دفعني لأن ألتحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وكانت أمي تضرب لنا الأمثال بشخصيات من الأدب الإنجليزي فتعلقت بهذا النوع من الدراسة، في البيئة السعودية لم أشعر بغربة عن مصر، أنا بطبيعتي ما أحب الخروج كثيرا، والحياة السعودية التي قضيتها، أتمنى أن أعود إلى المملكة، أنا أمثل بلدي في منظمة العمل العربية إحدى المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية، وعملي هنا تم بناء على ترشيحي من المملكة، في الجامعة العربية رشحتني شخصية سعودية هي عبدالمطلب عقيل، كان وزيرا مفوضا في جامعة الدول العربية وصديقا لوالدي، قال إن منظمة العمل العربية تطلب موظفين ونحن كسعوديين لنا الحق في التوظف لدى هذه المنظمة، وفكرت في الوظيفة وقابلت وزير العمل السعودي الذي كان بالقاهرة في مؤتمر وقتها (السناني) وتحمس لترشيحي بكتاب كتبه بخط اليد ذهبت به إلى مدير عام المنظمة وقتها بكر الرسول عراقي الجنسية وأخذت له كتاباتي في جريدة العالم اليوم، ومجلة كل الناس فعينني في إدارة الإعلام، أنا الآن المسؤولة الإعلامية بالمنظمة، اشتغلت أغلب مجالاتها، أسست وحدة المرأة العربية العاملة، وترأستها عدة سنوات. تأثرت بأمي فدخلت كلية الآداب: لكن الأم التي تخصصت بالأدب الإنجليزي كان لها تأثير آخر في شخصية غسال حيث حسمت التردد الذي انتاب الابنة المقبلة على الجامعة ما بين الآداب والإعلام، وتوجهت الابنة إلى دراسة الآداب، تقول: كان لأمي تأثير في دخولي كلية الآداب جامعة القاهرة، كنت مترددة ما بين دخولي الآداب أو الإعلام، واخترت الآداب أخيرا لميولي الأدبية، فضلا عن أني شاعرة. وتتوقف إلهام عن الاسترسال كأنها تريد أن تجيب عن سؤال لم ألقه عليها قائلة: اتهمت بأني مضربة عن الزواج ولكن ليست هذه حقيقة، إنما بحكم احتكاكي بالأدب ودراساتي وأبحاثي واهتماماتي الإعلامية فقد تغلب العمل على الحياة الشخصية، أشعر دائما أننا كدبلوماسيين بالجامعة العربية أننا خارج الأضواء، في مرحلة الجامعة كونت عدة صداقات مازلت أحتفظ بها حتى الآن: عمرو الكحكي، محمد مصطفى الفقي، أجمل سنوات عمري قضيتها بالجامعة، فترة وجودي بالجامعة كان هناك مد إرهابي، وانضممت إلى جماعة لمقاومة الإرهاب، كنا نقوم أيضا بعمل جريدة طلابية، كنت أنسى مرات أنني سعودية وأتحمس لقضايا اجتماعية، كنت أشعر أني إنسانة، عملنا مسرحيات ضد والفقر ومع الهم الإنساني، وحين رحل والدي شعرت بعدم الأمان. لم يعوضني أحد حنان أبي: قلت لها: لعله الأب، قالت: نعم، التفكير بالزواج كان مرتبطا برجل يعوضني شخصية الأب الحنون، لكن ما وجدت أحدا بهذا الوصف، أحيانا يستبد بي الخوف من الغد لكن يقلل من حدته قراءتي للقرآن، أنا بنت سعودية ربما لم يكن مسموحا لي في فترة نشأتي لأن تحب وتعطي قلبها، طبيعة شخصيتي خجولة، وأنا صغيرة لدرجة أنهم كانوا يستدعون أبي وأمي ليجيبا عن أسئلة الأساتذة: لماذا لا أتكلم؟ لماذا صامتة على الدوام؟ لماذا لا ألعب؟ أنا مهتمة بالإنسانيات والأعمال الخيرية والتطوعية، ربما اهتمامي الإنساني زائد لعدم وجود أسرة خاصة تشغلني، توجهت للتمثيل عامدة لأكسر الخوف الطبيعي الذي كان بداخلي، كسر الخوف كان تحديا كبيرا بالنسبة لي، لذلك أمتع لحظات حياتي التي عشتها وأنا واقفة على المسرح، وهذه أشعرتني بدرجة متعة لم أجدها في أي عمل آخر. وتضيف: أمي كانت تركز على التعليم، كانت تنصحني أن أحصل على الماجستير والدكتوراه، عملت السنة التمهيدية للماجستير، لكن فوجئت بالمطالبة بمصاريف خيالية، أنا ظلمت كل من تقدم لي للزواج، كنت أريد نسخة كربونية من أبي، ومن الصعب أن يصير شاب في العشرين أو الثلاثين أو الأربعين هذه النسخة. التمثيل للتخلص من الخجل المفرط: وعند محطة التمثيل تتوقف إلهام طويلا: كان أمنيتي عندما كنت صغيرة، كنت أغلق الباب على نفسي وأمثل كل أدوار الحياة، دور الأم، دور الأب، دور الرجل العجوز، دور الطفلة، دور اللص، دور المتدينة، كنت أحس بمتعة كبيرة، الخجل كله يتوارى في التمثيل، مثلت كثيرا من الكوميديا، في الجامعة كان معنا على المسرح عبلة كامل ومحمد هنيدي ومحمد سعد، كنا نمثل على مسرح كلية الحقوق، لم يكن لدينا مسرح بكلية الآداب، لو لم أكن مستشارة كنت أتمنى أن أصير ممثلة بدون تفكير، ما منعني أن أكمل الطريق في التمثيل أن التمثيل يحتاج إلى علاقات عامة كثيرة. لكن ممارسة أصغر مستشارة دبلوماسية بالجامعة العربية كان يشوبها الخوف من هذا الجو، والخجل الكثير، حتى أنها كثيرا ما كانت تمثل بأسماء مستعارة، وكثيرا ما تنكر أسماء الأعمال التي مثلت بها باعتبارها أشياء محببة لكن تتمتع بقدر من الخصوصية، تقول: مثلت في مسلسل سعودي لا أذكر اسمه، التمثيل يمكن أن تمارس كل شيء فيه وأنت تحافظ على تقاليدك، كل شيء يمكن أن تقوله، أنا ضد الابتذال، وضد عدم الاحتشام، هذا ليس فنا، هذا بعيد عن الفن، أنا مثلت للمسرح والتليفزيون وكلها أدوار شديدة الاحترام. وتضيف إلهام: بعد تخرجي صدمت بأن التمثيل يحتاج إلى شخصية اجتماعية مؤثرة وأنا لم تكن لدي علاقات، أنا لا أحب السهر، مثلت في مسلسل مع مديحة يسري وشويكار وأبو بكر عزت من إخراج هاني لاشين، كان يتناول مشكلة الإرهاب في مصر، كان دور حقق لي قليلا من الشهرة كممثلة، لأنني أحب التمثيل قررت أن أبتعد عن الأدوار المبتذلة، ما هنت التمثيل لأنني أحترمه. اختلفت مع عكاشة ودافعت عن ثقافة بلادي: وتستدعي ذاكرة غسال اسم الكاتب المصري الراحل أسامة أنور عكاشة قائلة: هاجمني رحمه الله في ندوة هجوما عنيفا لأنه عرف أني سعودية، هاجم السعودية في شخصي قائلا بأنها بلد ما فيه فن، ومليء بالقيود، وهناك تقاليد متخلفة نقلت إلى المصريين مع العمال العائدين من المملكة، لكنني رددت عليه ودافعت عن ثقافة بلدي، وهذا شيء أؤمن به، فالتأثير الثقافي متبادل بين مصر والمملكة، ومن الطبيعي أن تنتقل الثقافة من وإلى مصر، كما انتقلت من وإلى المملكة، إنها سُنة محمودة لا نستطيع أن نوقفها، وأنا أرى حقا أن كثيرا من المصريين أثروا بالسعوديين، وهو شعب محب للمصريين جدا وللفن المصري، وتضامن معي بعض الإخوة المصريين، عكاشة قال في بلادي رأيا مغلوطا حاولت تصحيحه. مشاعري اتجهت لكبار السن والأساتذة: وتعترف غسال بأن الأب ترك بصمته القوية فيها، حتى في ميولها واختياراتها في الحياة العامة بعد رحيله، تقول: في الجامعة كانت مشاعري تتجه إلى الأساتذة والدكاترة وكبار السن عموما، كنت أرى أن زوجي لا بد أن يكون واعيا ومثقفا، يكون لديه اهتمام بفكر معين في الأدب أو السياسة، للأسف الشديد عندما أجد شخصا بهذه المواصفات أجد معوقات في الارتباط به مثل أنه أصغر في السن بكثير، أو أكبر في السن بكثير، رفض من الأهل، رفضت الزواج من رجال متزوجين لأنني لا أريد أن أجرح زوجاتهم، نحن عائلة مترابطة لكنها غير منفتحة. وتتوقف الدبلوماسية الصغيرة بالجامعة العربية عند التحدي الذي واجهته في كثير من المواقف كونها تحمل الجنسية السعودية، قائلة: أنا أعزف البيانو، أخي موسيقي قبل أن يكون ممثلا، وواجه صعوبات كونه سعوديا احترف التمثيل، من خوف أمي علي أنها تصطحبني في كل أسفاري، وكان يوجه إلي نقد عنيف من شغلي، ما أتحرك من بيتي إلا ومعي أمي خارج القاهرة، وإذا كانت متعبة فينوب عنها في ذلك أحد أخوالي، أعمال فنية كثيرة مثلتها بأسماء مستعارة، في مرة سميت نفسي نوران، وفي مرة ليلى، كنت أخجل أن أكون مشهورة، عندما اكتشفت أن الفرصة في التمثيل محدودة لأسباب كثيرة منها: الجنسية السعودية والخجل والتقاليد العائلية، عملت في قناة ال art كمذيعة، كنت أقدم برامج عن الشعر والأدب باللغة العربية، وتابعت بعض المهرجانات الأدبية، وبسبب كثرة الأسفار قدمت استقالتي من عملي كمذيعة، واشتغلت في جريدة العالم اليوم الاقتصادية، كنت أكتب وأترجم بعض الموضوعات العالمية واشتغلت في وكالة أنباء الشرق الأوسط، وفي اختبار مسابقة التعيين حصلت على المركز الأول ولكن عند التعيين حالت الجنسية السعودية دون قبول تعييني بالوكالة وهي الوكالة الرسمية المصرية لكنهم أخذوني كمترجمة متعاونة، متعاقدة، وعملت فترة صقلتني ثقافيا وسياسيا ولغويا، في العالم اليوم كان عماد الدين أديب وزميلي عمرو أديب والإعلامية الدكتورة لميس الحديدي، والكاتب مجدي مهنا رحمه الله وزملائي وائل الإبراشي، ولا زلنا على اتصال، ومن زملائي أيضا سعد هجرس والكاتب الساخر عاصم حنفي والكاتب الكبير محسن محمد والعديد من الكتاب أخاف أن أنسى كاتبا منهم، ويمكن القول باختصار أن أغلب الأماكن التي عملت بها في مصر من تمويل سعودي العالم اليوم وال art. سيرة ذاتية الاسم: إلهام علي حسن غسال الجنسية: سعودية المؤهل الدراسي: ليسانس آداب – قسم إنجليزي – جامعة القاهرة تمهيدي ماجستير في الدراما الإنجليزية الوظيفة الحالية: مستشارة دبلوماسية بمنظمة العمل العربية – التابعة لجامعة الدول العربية المهام الحالية: المسؤولة الإعلامية لمنظمة العمل العربية رئيس تحرير مجلة «العمل العربي» الخبرات: الأعمال بمنظمة العمل العربية: أسست وحدة المرأة العاملة وتوليت رئاستها رئيسة وحدة التعاون الفني رئيسة قسم الإعلام رئيسة وحدة أصحاب الأعمال رئيسة وحدة الثقافة العمالية رئيسة وحدة التأمينات الاجتماعية ترجمة التقارير الدولية إعداد الخطب في المؤتمرات إعداد الأبحاث والدراسات والتقارير تنظيم المؤتمرات العربية والدولية تمثيل منظمة العمل العربية في العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل العربية والإقليمية والدولية ومن أهمها مؤتمر القمة الأول للمرأة العربية بالقاهرة، ومؤتمر المرأة العالمي ببرلين. تطوير مجلة «العمل العربي» الخبرات السابقة: معدة ومخرجة منفذة لعدد من البرامج في تليفزيون ART منها: «يا هلا» – «مع حمدي قنديل» – «الإسلام وقضايا المجتمع» كاتبة مقالات صحافية في بعض الصحف المصرية والعربية ومنها: جريدة «المصري اليوم»، «جريدة الرياض» صحافية بجريدة «العالم اليوم» الاقتصادية اليومية صحافية ومترجمة بمجلة «كل الناس» مترجمة في «وكالة أنباء الشرق الأوسط» مترجمة بمجلة «طبيبك الخاص» و “مجلة ألحان” مسؤولة علاقات عامة بشركة «دلة الدولية القابضة» الدورات التدريبية: دورة للإعلاميين العاملين في مجال العمل في جميع أنحاء العالم – تورينو - إيطاليا دورة في قانون العمل دورة في فن الإلقاء دورات في الحاسب الآلي الهوايات: كتابة الشعر، وصدر لي ديوان «أصوات شعرية»