في الحادي عشر من رمضان عام 129ه ظهرت دعوة بني العباس في خراسان، بقيادة أبي مسلم الخراساني؛ لتنقل البلاد إلى الصبغة الإسلامية وسمّيت خراسان في الأدب الفارسي أرض المشرق وهي تتألف من كلمتين (خور) يعني الشمس و(اسان) يعني طلوع، وعلي هذا فمعني خراسان (مكان طلوع الشمس) وقسّم الجغرافيون القدامى إيران إلى ثمانية اقاليم واعتبروا خراسان أكبرها مساحةً واكثرها سكانًا وبركةً ووصفوها بأنها أهم الأقاليم كما يتحدث التاريخ بان خراسان فتحت في زمان الخلفاء ثم حكمها بعد ذلك الأمويون، اما أبو مسلم الذي ذكر اسمه في تاريخ خراسان فقد ذكر التاريخ أنه سيطر على إقليم خراسان بعد ثورة في عام 129ه. وحكم بعد الأمويين في خراسان العباسيون، الطاهريون، الصفاريون، السامانيون، الغزنويون، السلجوقيون، ومما يؤسف له أن خراسان لاقت العديد من الويلات فقد دمّرت عام 617ق على يد المغول حيث قاموا بعمليات القتل والتخريب والتدمير لاهالي الإقليم وممتلكاتهم بعد هجومهم الوحشي ولم تسلم خراسان بعد المغول فقد هجم علىها الاوزبكستانيون، الصفويون الأفاغنة والافشار ليحكموها ثم بعد ذلك وفي زمان ناصر الدين شاه القاجاري تسبب القاجاريون في تقوية الوجود الروسي والإنجليزي في الشمال الشرقي وكذلك في شرق خراسان وذلك لما فعلوه من اضطرابات وتشويش في الإقليم، وفي النهاية انفصل القسمان وصارا تابعين إلى الاتحاد السوفيتي السابق وأفغانستان. مع كل المشكلات والمصائب التي لاقاها هذا الإقليم على مر العصور لكنه بقي واحدًا من أهم وأوسع مناطق إيران وفي الوقت الحاضر فإن هذه المحافظة تضم 224233 قرية و7996 ضيعة و27 قضاءً، 86 مدينة و 87 ناحية. دخل العرب المسلمون أرض خُراسان فأصبحت بلادًا إسلامية وجزءًا مهمًا من ديار الخلافة وجناحًا شرقيًا له وزنه السياسي والاقتصادي والثقافي، وانتمى الخراسانيون إلى الإسلام ثقافة وفكرًا وإلى العرب ولاءً، فالخراساني معروف بالقبيلة التي يحالفها في ظل الإسلام وفي دائرته، ولا يعني هذا أنَ الخراساني أهمل انتماءه إلى أرضه أو بلدته فهو منسوب إلىها موطنًا كما هو منسوب إلى القبيلة العربية حلفًا فيقال: الهروي التميمي، والبَلْخي السلمي، والمروزي الشيباني وهكذا. وفي المقابل فإن أبناء القبائل العربية قد عرفوا بخُراسان وشهروا في بلادهم التي أصبحوا ينسبون إلىها بعد أن استوطنوها فيقال لهم: عرب خُراسان وجند خُراسان وبعوث خُراسان ومقاتلة خُراسان وأهل خُراسان وقبائل خُراسان وفلان الخراساني والنيسابوري والنسائي والسعدي و السمرقندي والبخاري ويُقال ذلك لمن سكن هذه البلاد ويُنسب إلى البلاد الأخرى من يسكنها من العرب. ويلاحظ أنَّ تطاول الأزمان والانصهار في بوتقة الحياة الحضرية قد جعل أهل خُراسان يغفلون الانتساب إلى القبائل ويكتفون بالانتساب إلى المدن والقرى التي يعيشون فيها وقد أدى ذلك إلى تقلص المظهر العربي وانكماشه. وقد ورد في بعض وثائق الصلح أن بعض قادة الفتح طلبوا من أهل خُراسان أن يوسعوا للعرب في منازلهم غير أن الملاحظ أن العرب اختاروا القرى والأماكن النائية عن المدن مكانًا لسكناهم تماشيًا مع أمزجتهم التي تميل إلى ذلك وهذا أبعدهم عن الاحتكاك المباشر بالتجار وأصحاب الصناعات والحرف الىدوية. ويلاحظ أيضًا أن ارتباط العرب بالجندية وتبعيتهم لسجل العطاء كانت تحول بينهم وبين الالتصاق بالحرف والصناعات، فظلوا عسكرًا مجندين في الحاميات، يقومون على شؤون الطرق والمسالح في خارج المدن ومتأهبين للنفير العام. ولم يكن العرب في معظمهم بحاجة إلى الكسب والارتزاق إذ إنَّ أرزاقهم تعين لهم من قبل الدولة ويشمل ذلك -حتى- أولادهم ونساؤهم وقد حرص الكثيرون على الالتحاق ببعوث خُراسان لكن هذا لم يدفع بهم في بداية الأمر إلى الانخراط في الأعمال الحياتية الخُراسانية من زراعة وصناعة وتجارة لما سلف من أنهم مسجلون بديوان الجندية، وحبهم للحياة النائية عن المدن، ولعدم اطمئنان بعضهم إلى استمرار الإقامة الدائمة هناك لكثرة الغزوات والحروب والثورات وأيضًا تغير الولاة وما يستتبع ذلك من تحول عدد من أنصارهم أو من قبائلهم إلى بلاد أخرى ومجيء وافدين جدد ومحاربين يختارهم الولاة بمعرفتهم أو يتعلقونهم رغبة في القرب منهم وطمعًا في المكاسب الدنيوية وهذا ينطبق على بعض الشعراء وذوي الحاجات. ويمكن القول إنَّ العرب قد أقبلوا على المشاركة في النشاطات الخُراسانية المختلفة في القرن الثاني من الهجرة، وبالذات النشاط الزراعي يدل على ذلك كثرة القرى المنسوبة للعرب مما يوحي بأنها كانت لهم يحرثونها ويزرعونها ويجرون الماء في القنوات إلىها فلبني خزاعة الأزديين الىمانيين قرى في أرض “مرو” ولتميم قرى في “طُخارستان” ولكندة الىمانية قرى ولقيس وبكر وتغلب قرى أخرى ورساتيق بل قد تُنسب القرى إلى أشخاص من العرب فيقال: قرية فلان كما يقال قرية القبيلة الفلانية وذلك كقرية “كَتجانة” المنسوبة إلى نصر بن سيَّار. وكانت أموال خُراسان تكفي حاجة ساكنيها وتزيد يستنتج ذلك من المكاتبات الدائرة بين الخليفة عمر بن عبدالعزيز وواليه على خُراسان حيث أمر الخليفة بصرف الأموال على أصحاب الأعطيات فصرفها الوالي على أصحابها وقسم الزائد في باقي الناس فكفاهم، وعُرف آل المهلب بتوزيع الأموال على الناس إلى حد السرف وكان قتيبة لا يكاد يظفر بمال حتى يوزعه على المقاتلين معه، وأثر عن أمية بن عبدالله الإسراف في الخيلاء والمباهاة حتى كان يقول إن خُراسان لا تكفي لمطبخه، وأفرط بُكير بن وشَّاح وجنده التميميون في اختيار الملابس البالغة الزينة، المتعددة الألوان.