جاءت الإشادة بالصمت ضمن وصايا سماوية كثيرة، ونادرا ما وجدنا عالما أو مفكرا أو حتى رسولا لم يمر بحالة الصمت الطويلة لتتمخض عنها نبوة أو علم أو حتى ولاية.. والغريب إذا أردت أن تستخدم حواسك الخمس بوضوح، التي هي معقل ارتباطك بالحياة والوجود يجب أن تمر على محطة الصمت وباحترام كبير.. هل تستطيع أن تمد بصرك نحو عمق السموات دون أن يرتد نظرك إليك حسيرا إذا كنت تثرثر وتكثر بالكلام! هل تستطيع أن تمرر أناملك نحو زهرة أو حتى شوكة لتكتشف طياتها بدقة ومكنونها الرباني وكثيرا من التفاصيل وأنت ترغي وتزبد! وهل بإمكانك أن تستطعم مذاق شفتيك بإحساس عال دون لحظة صمت لاكتشاف الطعم وما أدراك.. وحين تشهق لتحبس رائحتك المفضلة بداخلك ألا تحتاج إلى لحظات من الصمت لتتذكر الكثير من المعاني والبرهات! أما ما يقرأه سمعك ليضعه في فسحة الفهم والتذكر ثم يحوله إلى ساحات الرفض أو القبول ألا يفرض عليك الكثير من السكوت والإنصات! حواسك كلها يغذيها الصمت؛ فكلما كان صمتك أعمق كانت قراءات حواسك أوضح وأشمل، وبالتالي امتلكت مفتاح الدخول إلى عالم البصيرة ثم الإبحار فيها مستخدما الكثير من أشرعة الهدى التي ستوصلك إلى الهداية لشواطئ الحكمة واليقين. فلم لا نستغل رمضان فنصمت ونتأمل ونجعلها عبادة لعلنا نستطيع بذلك فتح ثغرات جديدة لمعرفة الذات ثم الوصول إلى الله جل جلاله. ختاما .. كل ولادة لفكر أو لعلم أو حتى نبوءة يلزمها فترة من الصمت لتتجسد وتتمثل، وكلما كبر الحدث سبقته فترة احتضان أكبر من الصمت. [email protected]