أتابع بين حين وآخر ينتقد بعض المثقفين المؤسسات الثقافية الرسمية، بل يحرصون على التقليل من شأنها في مقابل الإعلاء من شأن المقاهي الثقافية غير الرسمية، التي ارتأى أصحابها إضافة كلمة (الثقافي) لكي تساعد على الترويج لحركة المرتادين للمقهى والهروب من اعتبارات منهجية العمل الثقافية، فأصبح كل شخص يفتتح مقهى يضع فيه قليلًا من الكتب والإصدارات، وربما يأخذها من المؤسسات الرسمية ويضعها على الأرفف كديكور ويظهر في الإعلام على أن هذا المقر خاص بالأدباء والمثقفين، وذلك تنشيطًا لمبيعات المقهى، وربما في حقيقة الأمر لو قمت بزيارة المقهى أكثر من مرة في فترات متباعدة فلن تجد أي شخص يمسك كتابًا، بل ستجده إما منشغلًا باللاب توب أو بالبلاك بيري أو بالمعسل أو بالسيجار بينما الكتب تغط في سبات الغبار. وحقيقة أستغرب كثيرًا من الشخصيات التي تهاجم المؤسسات الثقافية الرسمية وتتهمها بالقصور وتلصق بها تهمة النمطية التقليدية وقلة نشاطها وقلة فعالياتها وأنها تكاد تكون معدومة النشاط...وأنا أتساءل: هل من المنطق أن نقارن بين مؤسسة رسمية ومقهى؟ وهل يعقل أن نقلل من جهود مؤسسات ثقافية مضى على تأسيسها سنوات عديدة وأصبحت معالم ثقافية في بلادنا يعتد بها، خرج من تحت مظلتها العديد من الأدباء وكبار النقاد ونقول في النهاية بأن ارتياد المقهى أفضل من المؤسسة. وأنا شخصيًا لا أمانع في ارتياد هذه المقاهي وحضور ما بها من فعاليات، ولكن أرجو ألا يتم تجريح المؤسسات الثقافية الرسمية، لأن لها أنظمة ولوائح وتعليمات فهي تحت سقف الدولة وهي منابر رسمية مطلوب منه دور ثقافي وعلمي، وليس مثل المقهى الذي هدفه التجارة والترويح، ثم أود أن أسال هل سيقوم المقهى بإصدار أي عمل أدبي؟ وهل سيتولى المقهى استضافة الوفود الرسمية التي تستقبلها الدولة؟ ثم هل للمقهى جدول زمني يقيم فيه الفعاليات ويعتبر منبرًا رسميًا يرتاده الجمهور لحضور فعالياته؟ وهل ستخاطب الجهات الرسمية أصحاب المقاهي لترشيح عدد من المثقفين لحضور معرض كتاب أو مؤتمر أدبي؟ وهل سيقبل الضيف أن يضيف إلى سيرته الذاتية أنه أحيا العديد من الفعاليات في أحد المقاهي؟ والطريف في الأمر بأنه قبل أيام جاء ضيف قدير إلى المملكة العربية السعودية، واستضافه أحد المقاهي لإقامة أمسية، إلا أنه ظهرت العديد من الاتصالات على إحدى المؤسسات الرسمية للتوسط في إقامة أمسية لهذا الضيف، لأنهم يعلمون أنه لا قيمة لحضوره ولا قيمة لأمسيته ما لم تكن في مؤسسة ثقافية رسمية. الجدير بالذكر أن هذا الضيف قد جاء إلى العمرة ورغب المستضيفون في إقامة أمسية في إحدى المؤسسات الرسمية بداخل المملكة، إلا أنه لم يوافق على مغادرته أصلا لأنه جاء لغرض العمرة ولم يحضر تحت مظلة أي مؤسسة ثقافية رسمية. وعليه أؤكد الرجاء للزملاء الأحبة أن يحضروا أينما أرادوا، ولكن دون التعرض بالتجريح للمؤسسات الثقافية الرسمية لأنها كيانات ثقافية كبيرة أنشأتها الدولة من أجلنا ولا داعى لاتهامها ببعض اتهامات عدم الأريحية والمرونة. ولنأخذ من أصحاب الصالونات الثقافية الأدبية، الذين يعملون دون أن يتهموا غيرهم بالتقصير مثالًا، مدركين طبيعة الأدوار المختلفة والأطر القانونية والإدارية التي تحكم عمل المؤسسات الثقافية، عكس الصالونات الشخصية. نعم، لم يتعرضوا في يوم من الأيام للمؤسسات الثقافية بالانتقاص من أدوارها، بل كانوا يقومون بجهد مشكور ربما يوازي جهود المؤسسات الرسمية بدليل تكريم بعضهم في مؤتمر الأدباء الثالث، الذي عقد بالرياض من قبل معالي وزير الثقافة والإعلام. وتجد الإشارة إلى أن هذه الصالونات كانت تستقطب العديد من الأدباء والمفكرين وكانت تكتظ القاعات بالحضور، بالإضافة إلى مشاركة وسائل الإعلام في تغطية هذه المناسبات كمناشط أدبية جديرة بالتقدير، ولم تتعرض للمؤسسات الثقافية الرسمية بالتجريح والتقليل من شأنها. خلاصة القول إن الكل يمكن أن يعمل وفقًا لطبيعته دون أن يصل الأمر إلى التطاول أو التقليل من شأن الآخر. فالمقاهي يمكن أن تؤدي دورًا ترويحيًا نحتاجه، لكن لا يمكن أن يكون بديلًا عن العمل الثقافي المؤسسي الذي يعد هو المسؤول الأول عن صناعة المشهد الثقافي في المملكة.