بدأ الأردن الاحتفال باكرًا وبشكل لافت استعدادًا لاستقبال ضيفه الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يصل عمان في اطار جولة عربية. ويرى الاردن الرسمي والشعبي ان زيارة خادم الحرمين الشريفين الى عمان تشكل من جديد تأكيدًا سعوديًّا على حرص الرياض على ابقاء الموقف العربي موحدًا في مواجهة استحقاقات مصيرية تواجهها الامتان العربية والاسلامية. ويجمع الاردن بشخصياته السياسية والاقتصادية على اهمية جولة خادم الحرمين الشريفين العربية لما تحمله من اهمية في ابراز الموقف العربي الموحد الذي يعيد للمنظومة العربية قوتها وحضورها في المحافل الدولية. ويرى الاردن في تحركات خادم الحرمين الشريفين فرصة تاريخية تمهد لإعادة لم الشمل العربي لما تمثلة المملكة العربية السعودية من ثقل على المستوى الدولي. وتأتي القمة المرتقبة في عمان بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في مرحلة دقيقة وحرجة تمر بها الامة العربية جراء التعنت الاسرائيلي في انجاز مشروع السلام ورفضه التعاطي مع مبادرة السلام العربية. وعلى الصعيد الثنائي بين الرياض وعمان فإن العلاقات الاردنية السعودية ولقاءات القمة بين خادم الحرمين الشريفين والعاهل الاردني وصلت حدودًا غير مسبوقة من التفاهم والتنسيق.. هذا المستوى المتقدم للتنسيق بين المملكتين يظهر جليًّا في المواقف التي يتبناها البلدان إزاء الملفات الاقليمية المتزايدة تعقيدًا سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان. فالأردن والسعودية ينتميان الى ما اكتسب صفة تيار الاعتدال في المنطقة. وينطلق هذا التيار من رؤية تستهدف حل الأزمات الاقليمية، خصوصًا الصراع العربي الاسرائيلي، انطلاقًا من اقتناع بأن معالجة جذور التوتر في المنطقة هو شرط تحقيق استقرارها ورفاهها ونموها. وتشكل مبادرة السلام العربية، التي أطلقها العاهل السعودي أول مرة في قمة بيروت عام 2002 حين كان وليًّا للعهد، وأعاد العرب تبنيها في قمة الرياض آذار (مارس) الماضي، فعلاً عربيًّا مبادرًا لحل الصراع على أسس تعيد للفلسطينيين حقوقهم في الارض والسيادة. وتعكس هذه المبادرة ثوابت الأردن والسعودية وغيرها من الدول العربية الساعية الى اتخاذ اجراءات فعلية لإنهاء معاناة الفلسطينيين، لا المتاجرة بمعاناتهم وتحويلها مصنعًا للشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر. وتدرك الرياض وعمان ان استمرار الفشل في حل الصراع العربي الاسرائيلي يبقي المنطقة أسيرة الأزمات واحتمالات الانفجار. ويعي البلدان أن الارهاب فكراً وممارسة خطر لا يقف عند حدود وتستدعي مواجهته تعاونًا اقليميًّا في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية والفكرية. فالعلاقة الاردنية السعودية تلخص الان التفاهم والموقف الواحد الحريص على مستقبل شعوب المنطقة فقبل حرب الخليج الاولى كانت العلاقة الاردنية السعودية أنموذجًا لما ينبغي ان تكون عليه العلاقات بين الدول العربية فقد وقفت السعودية بامكانياتها الاقتصادية الضخمة الى جانب الاردن الذي اعتمد بشكل مباشر على المساعدات النفطية السعودية لتطوير اقتصاده وتوفير الآلاف من فرص العمل لابنائه في الاقتصاد السعودي. وحين تسلم خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في السعودية كان قد مضى على تولي الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية 5 سنوات تقريبًا سعى خلالها وبشكل حثيث الى اعادة العلاقات مع السعودية ودول الخليج العربي الى سابق عهدها وحقق في هذا الميدان اختراقات مهمة مع الكويت والامارات العربية ترجمت بمساعدات نفطية ومشاريع اقتصادية في الاردن. لكن وصول خادم الحرمين الى السلطة في السعودية كان لحظة تحول تاريخية في العلاقة فالملك عبدالله بن عبدالعزيز يكن للاردن مشاعر دافئة يقول المقربون منه انها تعبير عن روح قومية تتملكه وتقدير خاص لموقع الاردن الحساس وأهميته في المنطقة. والحقيقة ان خادم الحرمين الشريفين حين كان وليًّا للعهد بعث رسالة مهمة للاردن تنطوي على دلالات عميقة يوم وفاة الملك حسين حيث كان اول من وصل للاردن لمواساة الاسرة المالكة والشعب الاردني برحيل فقيدهم الكبير ويومها احاط الملك عبدالله الثاني بمشاعر ودية وتعهد بدعم الاردن لتجاوز المرحلة الانتقالية وقد اوفى خادم الحرمين الشريفين فعلا بما وعد. ودخلت العلاقات الاردنية السعودية بعد ذلك مرحلة جديدة فبينما كانت السمة الغالبة على العلاقات بين الدول العربية هي التراجع وتعمق الخلافات شهدت العلاقة بين البلدين تطورًا متسارعًا بعد سلسلة من الزيارات الملكية للسعودية. ودفعت الاحداث بالمنطقة بعد احتلال العراق وتوتر الجبهات في فلسطين ولبنان الى نشوء تحالف اردني سعودي وثيق قام على قاعدة من التفاهم المشترك حول طبيعة التحديات التي تواجه المنطقة. ومع بروز محور سياسي متشدد في كان التنسيق الاردني السعودي يؤسس لولادة محور جديد الى جانب القاهرة والامارات سعى عبر دبلوماسية نشطة ومبادرات سياسية الى احياء جبهة عربية معتدلة في مواجهة المتشددين وتحقيق تسوية للصراعات في المنطقة .