براءة للذمة أيها الدكتور الفاضل (الدكتور البيومي)، وقد ذكرتَ (روح العصر)، ومن غير أن نخرج عن (مذهب السلف)، وقد ذكرتَ الشيخ محمد عبده، وتفسيره المدوَّن في المنار، وتفسيره جزء عم مطبوعين، وفي فمي أكثر من غصة من آثار محمد عبده، وتاريخ حياته مع جمال الدين الأفغاني، وبراءة للذمة أرجو أن تقرأ الكتابين، وأن تقرأ كتاب الأستاذ الدكتور المحقِّق فهد بن عبدالرحمن الرومي، ثم أترك الأمر لله ثم لضميرك في حكم من أسقط النص القرآني ودلالته، وأنكر حقيقته آيات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وتأوَّلها بما لا تدل عليه لغة العرب، وبما ينفيه صريح دلالة اللغة من النص القرآني، وجعل كتب أهل الكتاب المبدلة معيارًا للتصديق بما في القرآن، وكان تلاعبه بكلام الله كتلاعب المستهزئ، وأباح الربا، وأجاز جمع الصلوات الخمس دفعة واحدة إذا لم يتيسر له حالة الخشوع. نماذج حية وإليك هذه النماذج من كتاب الدكتور الرومي وقد أحال كل نص إلى مصدره، وتأكدت من ذلك بالمراجعة.. قال في 2/735: (( وهذا تلميذه الأستاذ محمد رشيد رضا يرى الإمداد في قوله تعالى:(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) [ سورة الأنفال/9 ] إمدادًا روحانيًا لا ماديًا، وقال نقلًا عن محمد عبده: (( وما أدري أين يضع بعض العلماء عقولهم عندما يغترون ببعض الظواهر وببعض الروايات الغريبة التي يردُّها العقل ولا يثبتها، فإذا كان تأييد الله للمؤمنين بالتأييدات الروحانية التي تضاعف القوة المعنوية، وتسهيله لهم الأسباب الحسية كإنزال المطر وما كان له من الفوائد: لم يكن كافيًا لنصره إياهم على المشركين بقتل سبعين وأسر سبعين حتى كان ألف وقيل آلاف من الملائكة يقاتلونهم معهم؛ فيفلقون منهم الهام، ويقطعون من أيديهم كل بنان؛ فأي مزية لأهل بدر فضلوا بها على سائر المؤمنين ممن غزوا بعدهم وأذلوا المشركين وقتلوا منهم الألوف؟ )). ما معنى الإمداد فهل هذا حفظكم الله إلا محاكمة لرب العالمين، وتكذيب له.. وهو يشير لنصوص القرآن ويعقب بقوله: (وقيل)، وما القائل إلا ربنا سبحانه.. ثم في أي لغة كانت الملائكة الكرام إمدادًا روحانيًا، وما معنى الإمداد الروحاني الذي لم يرد به النص القرآني؟!.. ثم يتعلل بأن هذه الآيات (المعجزات) مِن روايات غريبة والقرآن بنصه صريح بدون روايات غريبة مع أن الأخبار المفسِّرة صحيحة لا غريبة؟!.. وهذه قاصمة أخرى.. قال الدكتور الرومي 2/813- 814: (( قال الله سبحانه وتعالى مثبتًا المعجزات لعيسى عليه السلام أظهرها سبحانه على يديه: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )، (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ). [ سورة آل عمران/48 49 ]، وقال سبحانه مثبتًا وقوع هذه المعجزة منه عليه السلام: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ).[ سورة المائدة/110 ]. لا قيمة فثبت بنص القرآن الكريم وقوع هذه المعجزة لعيسى عليه السلام وحصولها منه [إقدارًا له مِن الله سبحانه]، ويرى الشيخ محمد عبده وتلميذه السيد رشيد في تفسير آية آل عمران أن هذا يدل على إمكان وقوعها لعيسى عليه السلام، ولا يدل على وقوعها من غير رجوع إلى آية المائدة، وهما أيضًا لا يستندان في نفيهما الوقوع إلى نص من الكتاب أو السنة، وإنما إلى عدم تناقل النصارى لهذا (!!) وبخاصة في الأناجيل القانونية عندهم، أما الأناجيل غير القانونية التي ورد فيها الإخبار بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وكون عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ونحو ذلك فلا قيمة لهذه الأناجيل!!.. وإنما المستند إلى تلك التي لم يرد فيها شيء من ذلك.. ولندع الشيخ عبده يوضح لنا ذلك حيث يقول في تفسير آية آل عمران: ((وغاية ما يفهم أن الله تعالى جعل فيه هذا السر، ولكن لم يقل إنه خلق بالفعل، ولم يرد عن المعصوم أن شيئًا من ذلك وقع))، ثم يقول: ((فإن قصارى ما تدل عليه العبارة أنه خص بذلك وأمر بأن يحتج به في مثل ذلك)). بكل وقاحة قال أبو عبدالرحمن: جحد والله حسيبه النص القرآني الصريح عن الخلق بإذن الله، واستبعد إقدار الخالق الجبار القدير سبحانه وتعالى، وقال بكل وقاحة عن القرآن الكريم: (لم يقل إنه خلق بالفعل)، والله قال أبلغ من ذلك؛ فجمع بين الظرفية وفعل الحال والمستقبل المتجدِّد، وجعل ذلك آية من ربه؛ فهل تكون الآية لما لم يقع؟!.. هل علموا بالسر حتى يكون آية؟.. ثم من أي لغة أو حسٍّ أو معقول يكون الخلق سرًا كامنًا، ويسمى خلقًا ولم يقع، ويكون آية؟!.. إن هذه سِيرة يهودية في تحريف الكلم عن مواضعه، وقد اعترف محمد عبده بأنه كان ماسونيًا بتضليل الأفغاني؛ فاتقوا الله في دينكم، ولا تجرُّكم العاطفة الإقليمية إلى تقديس من بدَّل كلام الله؛ فإن ذلك لا يغني عنكم من الله شيئًا؛ وإنما يزيدكم بُعْدًا عن رحمته، وإني والله لا أبالي بأحد من رموز العلم في بلادي إذا خالف حقًا صريحًا، وبعد هذا فهل تعقل من لغة العرب أي معنى من تفسير محمد عبده.. ثم خذه العجيبة 2/811 عن بقرة بني إسرائيل: لكن الشيخ رشيد رضا حمل القصة تبعًا لأستاذه الإمام محمد عبده على أنها نوع من التشريع الذي كان موجودًا في زمن بني إسرائيل؛ لأجل الوصول إلى معرفة القاتل المجهول في هذه الحادثة وأمثالها، لا على أنها وردت في حادث معيَّن فيه معجزة لموسى [ عليه السلام ]، ودليلهم في هذا ما ورد في التوراة حيث قال الأستاذ الإمام: (( وعلى أن هذا الحكم منصوص في التوراة، وهو أنه إذا قُتل قتيل لم يعرف قاتله فالواجب أن تذبح بقرة غير ذلول في واد دائم السيلان، ويغسل جميعُ شيوخ المدينة القريبة من المقتل أيديهم على العجلة التي كسر عنقها في الوادي، ثم يقولون: إن أيدينا لم تسفك هذا الدم.. اغفر لشعبك إسرائيل، ويتمون دعوات يبرأ بها من يدخل في هذا العمل من دم القتيل، ومن لم يفعل يتبين أنه القاتل، ويراد بذلك حقن الدماء؛ فيحتمل أن يكون هذا الحكم هو من بقايا تلك القصة، أو كانت هي السبب فيه، وما هذه بالقصة الوحيدة التي صححها القرآن، ولا هذا الحكم بالحكم الأول الذي حرفوه وأضاعوه وأظهره الله تعالى)). إسقاط للنص قال أبو عبدالرحمن: انظر يا أخي كيف أسقط (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[ سورة البقرة/73 ]، وهل ما ذكره محمد عبده في الكتب المحرفة إلا إسقاطًا منهم للنص عن المعجزة، والقرآن مصدق لما بين يديه قبل تحريف أهل الكتاب كتبهم؛ فقد قال الله في سياق المعجزة عن البقرة المذكورة مباشرة: (أفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[ سورة البقرة/75 ].. ثم انظر ثانية كيف جحد قدرة ربه، وحجر بقلمه على المهيمن القوي سبحانه أن يتصرف في كونه الذي خلقه كما يشاء، وأن يكون من ذلك منحه سبحانه قدرة محدَّدة تكون بينات لرسله، وحجةً على الكافرين باسم العقل؛ فهذا العقل المخلوق الذي يتدرب من المهد إلى اللحد يملك التقنين لقدرة خالقه عند محمد عبده.. ثم انظروا هذا الكذب على الله، إذْ جعل محمد عبده القرآن شاهدًا للتشريع اليهودي في كتبهم المبدَّلة، وليس في القرآن شيء من ذلك؛ وإنما الذي فيه بعد ذَبْح البقرة، وضَرْبِ الميت ببعضها، وأنه يَتِمُّ إحياؤه بنص قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى)؟!.. كلام باطل ومحمد عبده في كتابه ( رسالة التوحيد )، وفي كثير من بحوثه لا يصحِّح الإسلام إلا بالنظر العقلي أولًا ببراهين الأنفس والآفاق، وفي هذا الكلام باطل، وفيه حق.. أما الباطل فهو أن من نوَّر الله بصيرته فآمن من العوام فقد حقَّق مراد ربه؛ فهل يُتصوَّر من الشرع أن يبطل إيمانه ويقول له: انظر أوَّلًا وهو بحسه البسيط يرى الشمس تطلع من المشرق ولا أحد يقدر على إخراجها من المغرب؟!.. وأما الحق فهو أن العقل البشري مطالب بالإيمان إجمالًا بما نصبه الله له من براهينه، وبالحالة التي جعل العقل فيها شرطًا للتكليف، ومن جملة النظر قبل مجيء الإسلام أن يبحث عن الدين الصحيح؛ لأن الله لم يُخْلِ الأزمان منذ آدم عليه السلام من دين صحيح، ولا من آثار للرسل والكفار الهالكين بعذاب الله، وكل ذلك بسبيل مقيم؛ فمن لم يهتد إلى دين صحيح كفاه إيمانه بكمال الله المطلق على وجه الإجمال حتى يأتيه تفصيل الشرع، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [ سورة البقرة/62 ]، ومن العمل الصالح ما يدركه بعقله كالاعتداء على النفس بغير حق، وأما ما لا يُعرف إلا بالشرع كأحكام الصلاة فليس مكلفًا به إلا بعد تفصيل الشرع. عصمة الشرع وإذا كان النظر واجبًا أول الأمر عند محمد عبده فلن نعرف ربنا إلا بصفات الكمال والتقديس عن كل نقص، ومن لوازم ذلك الإيمان بصدق الرسالة وعصمة الشرع صدقًا ورحمة وعدلًا؛ لأنه تنزيل القدوس ذي الكمال المطلق جل جلاله؛ فإذا جاء تفصيل الشرع فموقف العقل من تفصيله من ثلاثة أوجه: اثنان منهما واجبان والثالث كفر؛ فالواجب الأول الاجتهاد في توثيق الشرع ثبوتًا، والثاني الاجتهاد في تصحيح دلالته.. والثالث الذي هو كفر معارضة الشرع وتكذيبه ووصفه بالنقص كالظلم والجهل.. والمعجزات من تفصيلات الشرع القاطعة؛ فمن أنكرها لا يُحاوَر إلا ببراهين الإيمان بالله، وبراهين عصمة الشرع.. كما يلزمه الارتداد عن إيمانه؛ لأن إيمان العقل عن ضرورات منتجة مرتبة ترتيبًا رياضيًا كالحساب تسلمك نتيجة خانة الآحاد إلى نتيجة خانة العشرات، وتسلمك خانة العشرات إلى خانة المئات.. إلخ، وكل خانة خاضعة للتجرِبة بعد الأصابع، ولو كانت النتيجة اللازمة من التجرِبة بلايين الأعداد.. ثم بأيِّ تأويل يقبل لغة وعقلًا وحسًَّا يجوز رَدُّ قول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[سورة البقرة/260].. وقد وقع هذا فعلًا لأن الخبر ليس افتراضًا، ولكنه تحقيق لطلب إبراهيم عليه السلام واطمئنان قلبه.. وَمَنْحُ عيسى القدرةَ على إحياء الموتى من جنس القدرة التي أراها الله إبراهيم عليه السلام؛ ، وإلى لقاء آخر مع آخرين إن شاء الله، والله المستعان.