في ساحة صغيرة أمام أحد المنازل الريفية المتواضعة بقرية تابعة لمحافظة السادس من أكتوبر غربي القاهرة انشغل شاب منذ الظهيرة في تعليق لمبات بألوان زاهية، وتثبيت عدد من مكبرات الصوت فوق بعضها البعض. ثم أدار جهاز دي جي فارتجت بيوت القرية على أنغام أغانٍ ذات إيقاع راقص ومبهج؛ لتنطلق بعدها الزغاريد من ذلك المنزل ومن منازل مجاورة. في تلك الأثناء قامت طفلة ترتدي ثيابًا قديمة بكنس تلك المساحة من الشارع الذي انتشرت به الحفر، وسكنت على جوانبه بقع من روث قديم وحديث قبل أن تفرشه في المساء بحصير لتجلس عليه مدعوات قدمن لمجاملة أم شيماء صاحبة "العرس”، كان كل شيء على ما يرام في الفرح (العرس) باستثناء عدم وجود عريس أو عروس. فالفرح لم يكن ككل الأفراح وإنما وسيلة فريدة لتدبير سيولة مالية دون اللجوء للبنوك أو الاقتراض من الأقارب والمعارف وبطريقة سريعة وآمنة وكريمة. لجأت أم شيماء التي تقيم مع زوجها وبناتها الصغار الثلاث في غرفة وردهة بتلك القرية، التي تعتمد على الزراعة كمصدر أساسي للدخل إلى إقامة ذلك العرس أو "الفرح”؛ لتمويل حلمها بتغيير غرفة نومها المتهالكة وتسديد بعض الدين. فقط بطاقات دعوة وأكواب من الشاي هي كل ما تطلبه الأمر لكنها جمعت في تلك الليلة نحو ستة آلاف جنيه (نحو 1060 دولارًا) ساهمت بها نساء من قريتها ومن عدد من القرى المجاورة. بعض هذا المبلغ دين جديد على أم شيماء أن ترده في مناسبات مشابهة للغير عاجلًا أو آجلًا، وبعضه رد على مساهمات قدمتها أم شيماء في "أفراح” سابقة، وعبرت أم شيماء التي يعمل زوجها كعامل نظافة بالعاصمة براتب لا يتجاوز 300 جنيه شهريًا (أقل من 50 دولارًا) عن سعادتها بما فعلت قائلة "الفرح ساعدني كثيرًا، وأتمني أن أتمكن من تسديد الدين الذي علي للمدعوات الجدد. ليس أمامي وسيلة أخرى غير الفرح”. واعتاد المصريون لاسيما أبناء الطبقات الشعبية إهداء العروسين عند الزواج مبلغًا من المال على سبيل المجاملة يسمونه "نقوطا”، وهو نوع من المساعدة غير المباشرة يمثل شكلًا للتكافل الاجتماعي، لكن الجديد هو إقامة تلك الأفراح دوريًا دون مناسبة حقيقية لجمع النقوط من قبل قرويات يعتمدن عادة على عائل الأسرة في توفير المال.يقول أحمد سعيد (45 سنة) الذي يعمل مقاول بناء في قرية مجاورة: “إن نسوة كثيرات يلجأن لتلك الوسيلة لمساعدة أزواجهن في بناء بيت أو شراء أثاث ومنهن زوجته”. ويضيف "الناس تعبانة (أجهدها الفقر) والعملية كلها حريم في حريم” فلم لا -في القرية التي تنتمي لها أم شيماء- يتسامح الرجال مع هذا السلوك من جانب نسوة القرية لكن في قرية مجاورة يتحفظ البعض. يقول محمد (30 سنة) ويعمل واعظًا: “إن هذه العادة "علمت النساء الجرأة بجانب أنها تسبب ضوضاء وهناك أغانٍ وأحيانًا رقص غير لائق من بعض الفتيات والنساء كما أنها صارت تجارة بدلًا من وسيلة للتكافل والتعاون ودخلها التباهي والرياء”. وتقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: “إن الفقراء يبتكرون وسائلهم الخاصة في محاربة الفقر”. وتضيف "هي وسيلة مضمونة للحصول على المال بشكل كريم لا تحتاج إلى ضمانات سوى حسن السمعة، لاسيما وأن مثل هذه الفئات لا يمكنها الحصول على قروض أو مساعدات بنكية تحتاج لضمانات ليست متوافرة لديهم”. وطبقًا لتقديرات الأممالمتحدة فإن معدل الفقر المدقع في مصر يبلغ نحو 20 بالمائة لاسيما في المناطق الريفية والنائية. وتهدف مصر إلى خفض نسبة من يعيشون بأقل من دولار في اليوم إلى 12.1 بالمائة بحلول عام 2015 من 20.2 بالمائة حاليًا. ولدى أم شيماء خطط طويلة الأجل لتمويل مشروعاتها بالأفراح وخاصة "الأفراح الحقيقية” التي يحتفل فيها الناس بزواج عريس وعروس؛ إذ تقول: "سأجهز لبناتي بنفس الطريقة إن شاء الله”.