لا أكذب الله، لم اكن اعرف شيئا عن هذه المدينة البريطانية من قبل، إذ لم يسبق لي اصلاً السفر إلى أوروبا وليست السياحة مما اشغل بالقراءة فيها كثيراً، ثم في موعد مع ((الاجر)) - إن شاء الله - تلقيت اتصالاً من رئيس نادي الطلاب السعوديين بكارديف المبتعث المبارك محمد العبيد اخبرني فيه بعزم النادي اقامة ملتقى علمي منوع في كارديف ورغبته وزملائه ان اكون أحد المشاركين، وبعد أخذ وعطاء وترتيب امور وتقديم اخرى وتأجيل بعضها يسر الله لي ان اكون بينهم في كارديف.. ولست هنا قائماً خطيباً لاقول كم محاضرة ألقيت وكم موعظة اسديت، فذلك مما يمليه العلم والنصرة للدين وهو شيء بين العبد وربه والله وحده من يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.. لكن الحديث هنا عن اولئك الفتية، عن مجموعة (( كارديف)) مجموعة مباركة من هذه البلاد الطيب أهلها، ووالله لئن لامني بعض المحبين من قبل في كلمة لي ايدت فيها الابتعاث فقد اذهب عني فتية كارديف تبعات ذلكم الملام.. نعم لا شيء يعدل صوت الأذان في المآذن، ولا شعائر الله التي ترفع ها هنا وهناك في ديار المسلمين، لكن ذلك لا يعني انه يمكن ان نعيش مسلمين احراراً في غير ديارنا ان كنا نملك من العلم والعقل والحكمة ما نعيش به بين الناس، ويكون لذلك أثر فيهم ودعوة لديننا. جعل ((فتية كارديف)) الاعراق والعنصرية البغيضة وراء ظهورهم وعاشوا فيما بينهم متآخين متحابين يملك بعضهم لبعض من الاجلال والمحبة ما لا سبيل إلى هدمه ونزعه.. فأثمر ذلك عطاءً متواصلاً وقياماً بالواجب والنفل نحو بعضهم البعض.. رأيت فيهم كمال المروءة هيئة وتحدثاً وكرماً، ونعمة العقل أخذاً وعطاءً وتصرفاً، وعناية بما قدموا من أجله فلم يشغبوا على نفسهم بالخوض فيما لا يعنيهم والانصراف إلى ما يلهيهم فأعقب ذلك في قلوبهم عملاً دؤوباً وحياة جادة.. انتصروا على وحشة الغربة بالأنس بذكر الله واقامة الصلاة وشهود حلقات الذكر من باب نفع النفس وادراكها لحاجتها لعمل أخروي، لا لما تمليه أدبيات الجماعات وطقوس الاحزاب وتصنعات الفرق.. رزقهم الله الطيب من القول فخالطتهم مخالطة من يمكن له ان يسمع ما اعتادت الالسنة ان تجهر به، ويرى ما ألفت النفس ان تشغل به، والارواح مخبأة خلف العيون كما يقولون، ومع ذلك ما ظهر منهم إلا طيب القول حتى في حال مزاحهم وطرح الكلفة بينهم ولم يبد منهم إلا جميل الخلق وكريم السجايا.. فغرس الله بذلك في حجرات القلب محبتهم واسكن في حنايا الفؤاد مودتهم، وإني واياهمك كما قال كثير. أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت ومن كان مثلي - ولله الحمد والمنة - لا تستهويه مشية غيداء ولا تصنع لمساء وإنما تستهويه سجايا الرجال وخصال الاحرار كما هي ظاهرة جلية في مجموعة كارديف.. وسيقول بعض من يقرأ قولي هذا، لقد بالغت في المدح وافرطت في الثناء، وانا اعذره ولو رأى ما رأيت لعذرني فأنا وهو كحال الخليل بن احمد مع ولده.. وغاية الامر هذه تحية من بلد خير الرسل صلى الله عليه وسلم الى اولئك الكرام الاحرار رجال بلادنا في مستقبلها كما قال خادم الحرمين الشريفين ايده الله لابنائنا في كندا.