نشرت صحيفة عكاظ في عددها 15993 الصادر يوم الخميس 27 جمادى الآخرة 1431ه حواراً صحفياً مع عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور عبدالعزيز الحربي نفى فيه حقائق عديدة متعلّقة بالجن وتسلطهم بالأذى على الإنس رغم ورود الأدلة الصحيحة في إثبات ذلك...منها حديث عثمان بن أبي العاص الذي تلبسه الشيطان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اخرج عدوّ الله أنا رسول الله»رواه ابن ماجه. كما أن مسألة صرع الجن للإنس ونطق الجني على لسان الإنسي وتحدّثه من المسائل المقرّرة عند علماء أهل السنة والجماعة. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في» مجموع الفتاوى» وابن القيم في «زاد المعاد» وابن كثير « في تفسير القرآن العظيم» والطبري في «جامع البيان في تأويل القرآن» والعلامة الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز في رسالة مشهورة ومتداولة. وغيرها الكثير من المراجع . ومع ذلك نجد أن هناك طائفة ما تزال تجادل في ذلك بعد ما تبين لها الحق. وتحاول أن تلوي أعناق النصوص أو تدفعها في صدرها وتضعفها كيفما اتفق مع هواها بينما منهج المؤمن الحق حينما يقف على مسألة تنازع فيها الناس أن يردّ الأمر المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد أنكر الدكتور الحربي وجود دليل من القرآن على أن الجن يدخلون الإنس. رغم قوله تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) (البقرة 275) واستشهد بتفسير الزمخشري للآية ضاربا عرض الحائط بتفاسير العديد من علماء السنة. والمعروف أن تفسير الزمخشري محشو بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة!! ولم يُنقل الخلاف في مسألة دخول الجن الإنس إلاّ عن بعض أفراد الرافضة والمعتزلة أو من تأثر بعقيدتهم ومنهجهم من المنتسبين إلى أهل السنة. وقد قال الشيخ ابن عثيمين: صرع الجن للإنس ثابت بمقتضى دلالة الكتاب والسنة والواقع (فتاوى في العقيدة) وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده فإن الشيطان يدخل) رواه مسلم. وقال عليه السلام: ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) متفق عليه. كما أنكر الدكتور الحربي تمثّل الجن بصورة الأنس وإمكانية رؤية الإنسان للجن على الصورة التي يتشكّل عليها.. وهناك حديث رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عفريتا من الجن تفلّت عليّ البارحة ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي). كما ثبت في صحيح البخاري حديث أسير أبي هريرة الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال عليه السلام: ذاك شيطان. وفي هذا العديد من الفوائد منها أن الجن قد يتصوّر ببعض الصور فتمكن من رؤيته، وإن قول الله تعالى: ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) (الأعراف 27) مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها. بيد أن الدكتور الحربي أنكر كل ذلك وادعى أن تصوّر الجن على أشكال البشر إنما هو من قصص ألف ليلة وليلة وأساطير العجائز!! كذلك جاء إنكاره لقضية إمكانية وقوع تزاوج بين الجن والإنس. أو استمتاع بعضهم ببعض. والله جلّ وعلا يقول في كتابه: ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأنعام 128 واستمتاع الجن بالإنس أو العكس يشبه استمتاع الإنس بالإنس. وقد ورد في «مجمع الفتاوى» لابن تيميه في ذلك قوله « يوجد زواج بين الإنس والجن ويوجد بينهما أولاد وهذا كثير معلوم». فإمكان التزاوج بين الإنس والجن، قد أثبته الجمهور مستدلين بقوله تعالى لإبليس { وشاركهم في الأموال والأولاد} الإسراء : 64 وأخيرا نأمل من الدكتور أن يعود إلى القرآن والسنة وما اتفق عليه جمهور العلماء كي لا يحدث بلبلة في أمور لا مجال للتنازع فيها.