أواصل الحديث عن دور خطابنا الديني ومناهجنا الدراسية في انضمام مثيلات “هيلة القصير” إلى تنظيمات أزواجهن الإرهابية، وذلك بالتركيز على قدسية الزوج، وأنَّ طاعة الزوجة له تدخلها الجنة، وعصيانها له يدخلها النار، وبيَّنتُ ضعف حديث “لو أمرت شيئًا أن يسجد لشيء لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها” سندًا ومتنًا، وسأورد مرويات أخرى في هذا المضمون: (حدَّثنا عمرو بن عوْن، أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك، عن حصين، عن الشعبي، عن قيس بن سعد، قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أنْ يُسجد له، قال: فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ إنَّي أتيْت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال، قلت: لا، قال: (لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) [- محمد بن ناصر الألباني: ضعيف سنن أبي داود، باب في حق الزوج على المرأة حديث رقم (2140)، ص210، وورد في سنن أبي داود باختصار السند، برقم (1873). وما ينطبق على الحديث السابق ينطبق على هذا الحديث، وإنِّي لأعجب من قول الألباني: (صحيح دون جملة القبر) [ضعيف الجامع الصغير 4842، الإرواء 1998، مشكاة المصابيح 3266. [محمد ناصر الألباني: ضعيف سنن أبي داود، باب في حق الزوج على الزوجة، ص 210، الطبعة الأولى 1412ه /1991م، المكتب الإسلامي، الرياض]. وهنا أسأل كيف يجتزئ الشيخ الألباني الحديث، ويعتبره صحيحًا باستثناء جملة القبر؟ فالصحيح: صحيح كله، والضعيف ضعيف كله، وهل يعقل أنّ صحابيًا يرى قومًا يسجدون لغير الله، فيقرهم على المبدأ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أحق بالسجود له؟ جاء في المستدرك أيضا: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضى الله تعالى عنه- قال:جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، أنا فلانة بنت فلان، قال: (قد عرفتك، فما حاجتك؟) قالت: حاجتي إلى ابن عمي فلان العابد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قد عرفته)، قالت: يخطبني، فأخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فإن كان شيئا أطيقه تزوجته، وإن لم أطق لا أتزوج. قال: (من حق الزوج على الزوجة، أن لو سالت منخراه دمًا، وقيحًا، وصديدًا، فلحسته بلسانها ما أدت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، إذا دخل عليها لما فضله الله عليها) قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت في الدنيا) [ - الحاكم النيسابوري ج 4 ص 171، وفي - السنن الكبرى - البيهقي ج 7 ص 84]. هذا الحديث من حيث المتن لا يتفق مع ما جاء به الإسلام: 1. فالإسلام حرَّم الدم يوضح هذا قوله تعالى في الآية 3 من سورة المائدة: (حرمت عليكم الميتة والدم). 2. القيح والصديد فيهما ضرر كبير، فكيف تلحسه المرأة لكونه من زوجها، والإسلام مبني على قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”. 3. لم يفضل الله الزوج على الزوجة، لقوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وقوله (هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن). 4. هذا القول لا يمكن أن ينطق به من لا ينطق عن الهوى. - حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن على ابن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ولو أن رجلا أمر امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل”. [- سنن ابن ماجة، حديث رقم (1852).] في الزوائد: في إسناده علي بن زيد، وهو ضعيف. وعن غيلان بن سلمة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه الطبراني وفيه شبيب بن شيبة والأكثرون قاموا على تضعيفه. وهكذا نجد أنَّ جميع هذه المرويات ضعيفة سندًا ومتنًا، فعلى أي أساس يستند عليها خطابنا الديني في بيان فضل الزوج على زوجه، ووجوب طاعتها له طاعة عمياء؟ وخطابنا الديني لم يكتف بهذا؛ إذ نجده يوجب على الزوجة أن تطيع زوجها حتى لو منعها من صلة والديها، فكثيرًا ما نسمع في إذاعة القرآن الكريم من مشائخنا من يستدل بحديث ابن بطة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وعدم خروجها بدون إذنه، وإليكم الحديث: روى ابن بطة في أحكام النساء عن أنس أنَّ رجلًا سافر ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقي الله ولا تخالفي زوجك»، فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته، فقال لها: «اتقي الله ولا تخالفي زوجك»، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «إنِّي غفرتُ لها بطاعة زوجها». ويعلق ابن قدامة على هذا الحديث بقوله: “ولأنَّ طاعة الزوج واجبة، والعيادة غير واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز الخروج لها إلاَّ بإذنه”، ثمَّ يعود ويستدرك فيقول: «ولا يجوز لها الخروج إلاَّ بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأنَّ في ذلك قطيعة لهما وحملًا لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف.» [ المغني: 8/ 130.] هذا الحديث ضعيف وسندًا ومتنًا فمن حيث الإسناد، فابن بطة هو: الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ، شَيْخُ الْعِرَاقِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْعُكْبَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، ابْنُ بَطَّةَ، ويقول الذهبي عنه: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط وقد صنَّفه ضمن الطبقة (21). وقال عبيدالله الأزهري: ابن بطة ضعيف، وعندي عنه “معجم البغوي”، ولا أخرج عنه في الصحيح شيئا. وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: لم يسمع ابن بطة الغريب من بن عزيز، وقال: ادعى سماعه. قال الخطيب وروى ابن بطة كتب ابن قتيبة، عن ابن أبي مريم الدينوري، عنه، ولا يعرف ابن أبي مريم. ضعف الحديث متنًا 1. واضح من نص الحديث أنّ المرأة خرجت من بيتها لتستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في زيارة والدها المريض، ومادام زوجها قد منعها من الخروج من البيت، فهي عصته وخرجت، والذي يجعلها تخرج من بيتها لأخذ الإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة زوجها وزيارة والدها المريض، يجعلها تذهب مباشرة إلى بيت والدها والاطمئنان عليه، وكيف يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج المرأة لسؤاله، ولا ينبهها إلى عصيانها لأمر زوجها بخروجها من البيت؟ ونلاحظ أنَّها كررت فعلتها مرتيْن. 2. لا يتفق مضمون الحديث مع قوله تعالى: (وقضى ربك ألاَّ تعبدوا إلا إياه وبالوالديْن إحسانا). 3. ما ذكره ابن قدامة من علة مرفوض فقوله لا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب لا ينطبق على هذه الحالة، فزيارة المريض واجبة، فما بالكم بزيارة الأب إن مرض، فهي من أوجب الواجبات، وقد قرن الله الإحسان إلى الوالديْن بإفراد العبادة له. 4. مناقضة ابن قدامة لما جاء في الحديث، فلو كان على قناعة بصحته لما قال ما قاله مناقضًا له، فكيف يوحي الله لرسوله بأنَّه غفر للمرأة لطاعتها زوجها، ويقول ابن قدامة لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها لأنَّ في ذلك قطيعة لهما، وقد أمر الله المعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف.»؟ 5. لم يرد في صحيحي البخاري ومسلم. للحديث صلة.