إذا كان قرار حكومة العدو الإسرائيلي بتشكيل لجنة للتحقيق في الجريمة التي ارتكبت ضد قافلة الحرية، هو أمر يدعو إلى الضحك، فإن رد الفعل الأميركي الذي رحب بالخطوة الإسرائيلية هو أمر يدعو إلى الضحك الأشبه ب (البكا) حسب تعبير شاعر العرب أبي الطيب المتنبي. حسب منطق شريعة الغاب يبدو طبيعيا أن يتولى المتهم مهمة التحقيق ومن ثم القضاء. ألم يقل المتنبي منذ أكثر من ألف سنة: ((فيك الخصام وأنت الخصم والحكم))..؟! واليوم وبعد كل هذه السنين ها هي إسرائيل ومن قبلها أميركا، تحققان مقولة المتنبي القديمة. من قال إن السياسة لا تتقاطع مع الشعر أحيانا ؟ ومن قال إن الشعر الجميل لا يقوم في كثير من الأحيان، بمطاردة مواطن البشاعة ليصورها بدقة ؟ وإذا كانت السياسة تنفرد بأداء دور الفاعل في عالم البشاعة، فإن الشعر والأدب هما اللذان يقومان بدور الشاهد على الجرائم ذات الدوافع السياسية والخلفية اللا أخلاقية واللا إنسانية لمرتكبيها. هذا هو توزيع الأدوار حسب منطق شريعة الغاب. طرف يمارس الظلم وطرف يشهد عليه أمام التاريخ. لكن من يوقف هذا الظلم الذي لم يكتف بمنح الظالم الحق في ممارسة إجرامه، وإنما أعطاه حق ممارسة إصدار الأحكام في القضايا التي يكون طرفا فيها؟ هل القانون الدولي قادر فعلا على أداء هذه المهمة ؟ أم أن المجتمع الدولي راغب في وضع حد لهذه المظالم التي تجاوزت حد احتمال البشر ؟ أعذروني يا من تضعون ثقتكم الكاملة في الغرب لو قلت لكم بأنني لم أعد أثق في قيم الغرب الأخلاقية المعلنة، وبالتالي فإنني لم أعد أتعامل بجدية مع مصطلحات مثل (المجتمع الدولي) و (الشرعية الدولية). أو لم تعلمنا التجارب أن القيم الأخلاقية العظيمة يتم توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية ؟ ألم نشاهد كيف علت نبرة الدفاع عن حقوق الإنسان عندما تعلق الأمر بنظام صدام حسين وإيران والسودان وكوريا الشمالية، في حين أصيب الغرب ولا يزال يصاب بالصمم مع كل جريمة جديدة ترتكبها إسرائيل ؟! من السخف أن ننتظر من العدو أن ينصفنا من نفسه. في هذه الحالة سنظلم أنفسنا وسنكون شركاء للظالم في كل ما يفعله بنا.