يتهمني بعض الزملاء والقراء بأنني أناصب الغرب العداء بسبب العديد من مقالاتي التي أدافع فيها عن الحق العربي وانتقد من خلالها سياسات القوى الاستعمارية في المنطقة وفي العالم أجمع. والحقيقة أن هذا الاتهام يعكس تسطيحا واضحا واختزالا مخلا لدى القائلين به، لأنهم ينظرون إلى الغرب بصفته وحدة واحدة متناغمة لا تناقض بين جزيئاتها. إنني شخصيا لا أعادي الغرب بشكل مطلق لأنني لا أنظر إليه بوصفه وحدة كاملة لا تتجزأ. أنا أناصب مؤسسة الحكم أو المؤسسة السياسية في الغرب العداء، لكنني أؤيد وأتضامن وأدعم جهود كل النزيهين والمنتمين إلى الجنس البشري والثائرين على الظلم في الغرب. نعم أنا ضد التوجهات الاستعمارية الغربية في الخارج وضد سياسات رأس المال القائمة على الاستغلال في الداخل. لكنني بالمقابل أجد نفسي واقفا في خندق واحد مع كل الغربيين المدافعين عن حقوق الإنسان، وكل المعارضين للحروب التي تشنها الحكومات الغربية باسم الحرب على الإرهاب، وكل المتطوعين الذين يحاولون مساعدة السكان المدنيين في البلاد الفقيرة أو التي تعاني من وجود صراعات مسلحة، وكل أحزاب الخضر وغيرها من الجمعيات والمؤسسات المهتمة بالحفاظ على البيئة والحياة الفطرية، وكل المناهضين للحجر على الحريات العامة وكل المكافحين للتمييز العرقي والعنصري بكافة أشكالهما.. إلخ إلخ إنني أعتبر نفسي منتميا إلى الوجه الحضاري والإنساني للغرب الذي يناصب هو الآخر المؤسسة الحاكمة لديه، العداء. إنني مع وجه الغرب الذي يمثله المفكر اليهودي الأميركي نعوم تشومسكي الذي رفضت سلطات الاحتلال الصهيوني مؤخرا منحه تأشيرة دخول لإلقاء محاضرة في جامعة بير زيت نظرا لمواقفه الرافضة للاحتلال. كما أنني مع الغرب الذي يمثله النائب البريطاني جورج غالوي الناشط في مجال كسر الحصار المشين على قطاع غزة والداعم للقضية الفلسطينية والمناصر للحقوق العربية ضد كل السياسات الاستعمارية. كما أنني مع الغرب الذي يمثله الصحفي البريطاني روبرت فيسك، والمخرج اليهودي الأميركي وودي ألن، والعديد من العلماء الذين رفضوا أن يكونوا أدوات في أيدي لوبي الصناعات الدوائية وفضحوا مؤامراته الأخيرة التي تجسدت من خلال الضجة غير المسبوقة التي أثيرت حول ما سمي آنذاك (بوباء إنفلونزا الخنازير). العداء المطلق أو الولاء المطلق للغرب هما إحدى نتائج التعصب الأعمى.