بظني أن الشعر الذي لا يحمل دلالات عدّة ونوافذ واسعة للتأمل في المعنى والصور هو أقرب للنظم المسطر في كثير من الدواوين والكتب المدرسية (على شاكلة قصائد الألفية وشرح القواعد الإملائية) والتي لا يتكلف فيها الناظم بأكثر من صف الكلمات على شكل صدر وعجز واختيار قافية تمنح فرصا عدة للخروج بنص على نهج المطولات وقصائد الملاحم. يخرج من ذلك استثناء مهم، قصائد المدح المتعلقة بثقافة الممدوح حيث إن النجاح الحقيقي للقصيدة وصولها دون غموض أو إبهام لمن كتبت من أجله. وهذا الأمر يحدث كثيرًا في قصائد المناسبات الخاصة كالتي تحدث في مراسم حفلات الأفراح والليالي الملاح وقد باتت تتسع بشكل ملحوظ وترتب بالدعاية والتنظيم الذي لا يهب فرصة الإنصات غالبًا كأنها تنافس الآن محاورات الشعر وحفلات القلطة وما أخذت من أرقام باهضة مع شعراء المليون. في الحقيقة قلّ أن نسمع الآن عن حفل زفاف دون تنويه بأمسية شعرية بأسماء جديدة ترفع اسم القبيلة وتقدم بتغطية إعلامية مدفوعة وهي حين المشاهدة الفعلية والحضور غالبًا ما تغرق في جو التهاني وأصوات الأطفال وتقاطعات أصحاب الحفل بالترحيب ومباركة الضيوف. وبالتالي أراها ليلة غير مخصصة للشعر لأنه من أهم اللوازم وجود الجو المناسب الذي يكفل حق الاستماع والاستمتاع بهدوء وتفاعل. أذكر في ليلة شعرية أقيمت على شرف زفاف أحد الأصدقاء والشعراء على منصة الإلقاء ينشدون قصائدهم ظهرت أصوات قادمة من بوابة القصر تتغنى بالحداء (فنّ شعري معروف وظاهر في الحجاز) وأقبلت إلى صالة القصر المختلطة بضجيج من يتحدث ومن يراقب ومن يحاول أن يسمع ومن يتحرى الزاوية المناسبة لإتمام مكالمة الجوال على شكل صفين متقابلين مما حدا بعريف الأمسية أن يشير بالتوقف قليلاً حتى انتهاء «الحداية» الشعرية بما يقوم به أصحاب الحفل من ترحيب ورد شعري مناسب للمعنى الممهور في أبيات الحداء. ولكم أن تشاهدوا مثل هذه الحفلات في القنوات الفضائية وكيف أن الجو المحيط لا يكاد يقترب من الشعر والشعراء إلا فيما ندر!. www.almatrafy.com