بدأ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عمله في البيت الأبيض بإطلاق العديد من الوعود والتصريحات وتحقيق القليل من الإنجازات.. وتجاهل الكونجرس مناشداته المتتالية لإقرار قانون جديد لنظام الرعاية الصحية.. وأعتقد الكثيرون أن أوباما لن يحقق الكثير في عهده، وانتظروا أن تدخل أميركا في حالة ضبابية في سياساتها الداخلية والخارجية.. وسخر الإسرائيليون من مطالبته المتكررة لهم بالتوقف عن بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة.. وتجاهل النظام الإيراني اليد التي مدها لهم.. وحتى القادة الصينيون لم يعيروا الرئيس الأمريكي الجديد اهتماماً وهو يدعوهم، خلال السنة الأولى من حكمه، إلى شراكة في معالجة قضايا العالم.. وخلال مؤتمر كوبنهاجن (خلال ديسمبر الماضي) الذي استهدف الوصول إلى اتفاقية جديدة لمعالجة التغير المناخي، سعى أوباما إلى لقاء ثنائي مع رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، الذي كان متواجداً في المؤتمر، وذلك بعد أن لم يتمكن المؤتمرون من الوصول إلى اتفاق فيما بينهم، لكنه فوجئ حين حضر إلى قاعة الاجتماع بأن الصينيين أتوا معهم برؤساء كل من البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، ولم يجد كرسياً له وسارع مرافقوه لتقديم كرسي حشر نفسه فيه وسط المجتمعين.. ثم قام أحد الصينيين المرافقين لرئيس الوزراء بحملة كلامية باللغة الصينية تجاه أوباما مرفقة بأصبعه التي يؤشر بها تجاهه. وفجأة اكتشف الكونجرس الأمريكي، ومعه كثير من المراقبين السياسيين الأجانب، أن أوباما ليس بالرئيس الضعيف، وأن إدارته ليست بالإدارة المشلولة، وتسارعت الأحداث داخلياً وخارجياً بشكل دراماتيكي استعاد بها أوباما زمام المبادرة فيما يتعلق بنظام الرعاية الصحية، الذي أجيز وانطلق منها نحو إنجازات أخرى على المستويين المحلي والدولي.. وحتى الصينيون الذين غضبوا من صفقه السلاح مع تايوان التي أجازها أوباما ومن لقائه الدالاي لاما في البيت الأبيض.. وعبروا عن غضبهم برفض لقاء أي مسؤول صيني لمسؤول أمريكي، وعدم التعاون في أي مجال، بل ورفض تلقى المكالمات الهاتفية من المسؤولين الأمريكيين.. عادوا إلى علاقات ودية مع أوباما توجت بحضور الرئيس الصيني مؤتمر القمة النووى الذي دعا إليه الرئيس باراك أوباما وعقد الشهر الماضي في واشنطن. وأما الإسرائيليون الساخرون من أوباما فقد تلقوا تأديباً وتأنيباً علنيين لن يتمكن حكام إسرائيل من نسيانه إطلاقاً.. وواصل أوباما السعي لتحقيق ما كان يعد به في وعوده وتصريحاته، وأصبح ما يقوله يحمل وزناً مهماً بعد فترة من الشك والتشكيك التي قوبل بهما. في خطابه بالقاهرة في شهر يونيه من العام الماضي، تعهد أوباما باستضافة قمة لرجال الأعمال من العالم الإسلامي وأمريكا في واشنطن تستهدف توثيق العلاقات بين قادة الأعمال والمؤسسات وأصحاب المشاريع في كل من الولاياتالمتحدة والدول الإسلامية من مختلف أنحاء العالم.. وللوفاء بتعهده هذا دعا أوباما حوالي مائتين وخمسين رجلاً وامرأة من رجال وسيدات الأعمال من حوالي ستين دولة إلى مؤتمر تحت مسمى «القمة الرئاسية لرواد الأعمال» عقد لمدة يومين بنهاية الشهر الماضي (أبريل)، وجرت خلاله لقاءات بين عدد كبير من رجال الأعمال من دول إسلامية ورجال أعمال أمريكيين. ومن الواضح فإن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قد اقترب إلى حد كبير من عقول وقلوب الكثيرين في العالم الإسلامي.. وأصبح يتحدث لغة يفهمها المواطن العادي، فهو يقول إن هناك «شعوراً متبادلاً بعدم الثقة» بين الولاياتالمتحدة والمجتمعات الإسلامية، وهو ما يوافقه عليه الجميع.. وذكر في خطابه الذي افتتح به المؤتمر أن أمريكا سوف تنهي الحرب في العراق وأفغانستان ثم أكد ما يتمنى العرب والمسلمون تحقيقه، وهو السلام في فلسطين قائلاً: «سأقولها مرة أخرى هذه الليلة.. إنه رغم الصعوبات التي لا مفر منها، فطالما بقيت رئيساً، فإن الولاياتالمتحدة لن تتراجع أو تتردد في سعيها لتحقيق حل الدولتين الذي يضمن الحقوق والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء».. وأكد وقوفه إلى جانب أولئك الذين يسعون « من أجل تحقيق الكرامة لجميع الشعوب». هل ينجح أوباما في تحقيق التقارب الذي يسعى إليه؟ إذا نظرنا إلى نجاحه في إجازة القوانين التي يرغب فيها داخل أمريكا، وانتقاده العلني والشديد للحكومة الإسرائيلية في الوقت الذي وقف أغلب أعضاء الكونجرس ضد مواقفه هذه.. فإن ما نشاهده هو رئيس يمكن أن يحقق الكثير مما يدعو إليه.. وقد يكون الكاريكاتير الذي أشار إليه أوباما في خطابه، والذي نشره الدكتور نايف المطوع، في الكويت، بعد خطاب أوباما في القاهرة ويظهر الرجل الخارق (سوبرمان). والرجل الوطواط (باتمان) يسعيان للتواصل مع نظرائهما المسلمين، هو ما يشعر به أوباما نفسه، من أنه رجل خارق في مواجهة مواقف صعبة. وتمكنت إدارة أوباما من تغيير نظرة المراقبين السياسيين إليها.. فبعد حوالي عام من الشك في قدرتها على خدمة السياسة التي ينادي بها باراك أوباما، ظهر أن ذلك الشك لم يكن في محله.. ومن المؤكد أن التوجه الأمريكي الجديد أكان نحو السلام في الشرق الأوسط أو تجاه القضية الفلسطينية سيكون قوة دفع نحو اتجاه جديد في العلاقات بين الشعوب العربية والإسلامية وأمريكا.. فالعدالة في التعامل مع القضايا الهامة للإنسان العربي والمسلم، وأهمها القضية الفلسطينية، سيؤدي إلى تحسين الصورة الأمريكية في الذهن العربي.. ولكن، لا يمكن لمثل هذا التحول في النفوس وفي الواقع أن يتم بين يوم وليله، بل أنه سيستغرق وقتاً وجهداً من الواضح، حتى الآن، أن إدارة أوباما على استعداد لتوفيرهما في هذا الاتجاه.. ولكنها مسيرة أخذت اتجاهاً صحيحاً، وستتطلب جهدا مشتركاً من الأمريكيين ومن العرب والمسلمين للوصول إلى الهدف المشترك، وأول مراحله قيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الإسرائيليين احتلال الأراضي العربية الأخرى في سوريا ولبنان.