لا يعرف الكثيرون عن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إلا أنه عالم شرعي أو أنه في الأساس مترجم من وإلى اللغة الفرنسية لكن الكثيرين يجهلون الوجه الآخر لشيخ الأزهر والذي كشف النقاب عنه حيث قال: أنا من مواليد قرية "القرنة" إحدى قرى محافظة الأقصرجنوب مصر ومن عائلة أزهرية أباً عن جد. ربانا والدي رحمه الله على الاهتمام بهموم الناس ومشكلاتهم، لذلك أحرص على الاندماج مع الناس وحل مشكلاتهم في قريتي والقرى المجاورة وأجد في ذلك متعتي الحقيقية، وعلى الرغم من أن أخي الأكبر الشيخ محمد الطيب يقوم بذلك الأمر إلا أنه يحتفظ لي دائما بنصيبي من هذه المشكلات لأقوم بحلها بنفسي، لذلك أحرص على السفر إلى القرية كل فترة. زواج تقليدي وعن حياته الأسرية يقول: تزوجت مبكراً منذ أن كنت في المرحلة الثانوية وكعادة أهل الصعيد في ضرورة زواج الأقارب فقد تزوجت بابنة عمي. لدي ولد وبنت كل منهما متزوج ولديه أولاد في عمر الشباب. ويتذكر الطيب مرحلة صباه الأولى فيقول إن قسوة الوالد عليه في الصغر لم تكن جافة، إنما كانت من أنواع القسوة المغلفة بالحنان، وكانت من الأسباب الإيجابية بالنسبة لنا لأنها عرفتنا معايير الفشل والنجاح والثواب والعقاب. كان رحمه الله يرسم لنا طريق المستقبل كما يراه هو كعالم شرعي يحب أن يرث أولاده عنه نفس الطريق العلمي. أتذكر حين كنت صغيراً قمت بالاستعداد للحاق بالمدرسة وقمت بارتداء أفضل الثياب وحملت حقيبتي الصغيرة وعزمت على الاتجاه للمدرسة، لكني فوجئت بوالدي يأخذني للكتاب حتى أحفظ القرآن ولم أكن في تلك السن أدرك قيمة ذلك فتذمرت، ولكن والدي أرغمني على الذهاب ولم يكن أمامي إلا السمع والطاعة. كان الأطفال في الكتاب وقتها يجلسون على التراب أمام الشيخ الذي يجلس على "حصير" خشن ورغم أني كرهت هذا المشهد في البداية إلا أنني امتثلت لأمر والدي وعرفت بعد ذلك أنه كان على حق وأنه أراد لي خير الدنيا والآخرة. بعد إتمامي لحفظ القرآن الكريم التحقت بالمعهد الأزهري ولم يكن في نفس القرية ولكنه كان يبعد عن قريتنا مسافة 60 كم وكان عمري وقتها عشر سنوات ونصف. كنت أقيم بجوار المعهد بعيداً عن أهلي في هذه السن المبكر وكنت أشعر بوحدة شديدة وأسرتي أيضاً تشعر بافتقادي وكان ذلك هو ديدن الجميع في قريتنا. الولع بالطيران وعن المرحلة الثانوية يقول: في عام 1961م تم استحداث نظام الأقسام العلمية والأدبية في الثانوية الأزهرية، فالتحقت بالقسم العلمي حيث كنت أتمنى أن أكون طياراً في يوم من الأيام، كنت وأنا صغير مولعاً بمشاهدة الطائرات وهي تحلق فوق رؤوسنا، كان منزلنا قريباً من مطار الأقصر، ولكني انتزعت انتزاعاً من هذا الحلم وأرغمني والدي من الخروج من القسم العلمي والالتحاق بالقسم الأدبي لأنه كان يرغب في إغراقي في بحور العلم الشرعي والديني ويتمنى لي أن أكون عالماً من علماء الأزهر ومتخصصاً في أحد فروع الشريعة الإسلامية وليس أمراً غير ذلك. قصة المعيد وحول تعيينه في كلية أصول الدين بالقاهرة يقول الطيب بعد إنهائي لدراستي الثانوية ذهبت إلى القاهرة والتحقت بكلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة تم تعييني معيداً بكلية أصول الدين في نفس شهر تخرجي وكانت لذلك قصة ظريفة، كان ترتيبي الأول على دفعتي فقال لي عميد الكلية وقتها هل قدمت إلينا من آخر الصعيد حتى تكون أول دفعتك هنا في القاهرة؟ قرر العميد تعيين أربع معيدين واختار أن أكون معيداً في كلية أصول الدين بأسيوط حيث فتحت كلية جديدة هناك والثلاثة الباقون في القاهرة. لم أعترض ولكن عندما ذهب طلب الترشيح لرئيس الجامعة وكان هو الشيخ الباقوري في ذلك الوقت اعترض على ذلك وأبلغ وزير الأوقاف وشؤون الأزهر الدكتور عبد العزيز كامل في ذلك الوقت والذي قال الأول يبقى في القاهرة والثلاثة الآخرون يذهبون إلى أسيوط. بالفعل استلمت عملي بالقاهرة. الشيخ المترجم أما عن تعلمه للغة الفرنسية وإتقانها فيقول شيخ الأزهر في نفس الفترة تعلمت اللغة الفرنسية في المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة لمدة أربع سنوات وكان د. عبد الحليم محمود شيخ الأزهر رحمه الله السبب المباشر في تعلمي للغة الفرنسية، وذلك عندما رأيته يقف أمامنا ممسكاً أحد الكتب الفرنسية ويترجم منه باللغة العربية ترجمة فورية دقيقة، فأيقنت أن هناك ضرورة ملحة لتعلم العلماء والدعاة للغات الأخرى، فالتحقت بالمركز الثقافي وتعلمت الفرنسية حتى أصبحت أتحدثها مثل أهلها بفضل الله تعالى . دكتوراه عن يهودي وحول رحلته العلمية الخارجية بفرنسا يقول: كانت رحلة السوربون لجمع المعلومات وتكملة جزء من الرسالة التي كانت عن شخصية يهودية علمت نفسها وألف كتاباً ضخماً عنوانه "المعتبر في الحكمة "خصصه لنقد أرسطو وابن سينا نقداً كاملاً وكانت رسالتي عن هذا الجانب النقدي. كان سبب اختياري لهذه الشخصية أنني عندما كنت أذهب إلى جامعة الدول العربية للاطلاع على كتب الفلسفة والمخطوطات من خلال معهد المخطوطات بالجامعة لفتت نظري عبارة تقول "كل الشكوك الفلسفية التي أبداها فخر الدين الرازي مأخوذة عن هذا الرجل اليهودي الذي كان يدعى هبة الله بن مالك اليهودي" ومن هنا بدأت رحلتي معه وهذا الرجل أسلم في آخر عمره بعد أن بلغ عمره ثمانين عاماً برد وغربة باريس وعن رحلته الأولى إلى فرنسا يقول الطيب: هذه الفترة كانت صعبة جداً وكان ذلك في فصل الشتاء وفي شهر ديسمبر تحديداً، وفي قلب باريس كان معي زميل آخر وبعد خروجنا من المطار صدمنا بالفارق الشديد خاصة في الطقس والذي أفقدنا الوعي من شدة البرد ووجدنا أنفسنا نشعر بالوحدة الشديدة فبكينا بكاء شديداً بسبب الوحدة والحنين إلى الوطن وأحسسنا بالغربة الشديدة. بعد عودتي حصلت على الدكتوراه ثم حصلت على مهمة علمية أخرى إلى فرنسا لمدة ستة أشهر ولكن في هذه المرة نزلت عند أسرة فرنسية ومن حظي أنها كانت أسرة تبحث عن الحق فقد كانوا مسيحيين ثم ماركسيين ومروا بمراحل متعددة انتهت باعتناقهم الإسلام.