لا أُجيد الكِتَابة بشكلٍ مستمر، لهذا يظهر القلم ثقيلاً في إخراج مكنونات الصَّدر، وهذا حالي مع الكِتَابة، فما بالك إذا أردتُ في هذه السّطور أن أدوّن شيئاً في مقام الحُزن، وساحة الفراق، وصفحة الوداع..؟! حقًّا.. إنَّني مفجوع بوفاة الابن، والصَّديق ابن الصَّديق، «إباء عبدالمقصود خوجة».. ومصدر ألمي له ما يُبرِّره، ويكفي بالموت مصدراً للألم والحزن.. لقد عرفتُ الشَّاب الطَّموح «إباء» -رحمه الله- منذ نعومة أظافره في شخصياته المختلفة، ومواهبه الكثيرة، لذلك عندما أكتب عنه، فأنا أعني وأُدرك ما أقول.. عرفتُ «إباءً» في موقف الذَّكاء، فوجدته لمَّاحاً تتقد عيناه فهماً وعقلاً، وخبرته في ميدان الصّدق والأمانة، فلمحتُ فيه صفات الوفي الأمين، الذي لا يُخيِّب مَن يُحسن الظَّن به..! أما في مجال البر وأعمال الخير، فكل مَن عرف «إباء» يعلم أنه مِن أقوى الداعمين لذلك، وكل ذلك يتم في تواضع كبير، بحيث لا يظهر بالصورة، حبًّا وطمعاً في الأجر من الله -عز وجل-، الذي لا تُخفى عليه خافية..! عندما أكتب عن «إباء» فإنَّني أكتب عن شاب كان مرجواً في أهله ووطنه ومجتمعه، ولكن الله جلَّت قدرته أراد ل «إباء» حسن الخاتمة، فاختاره إلى جواره، وحسبك بجوار الله من جوار. حقًّا.. عندما يأتي الموت، لا يملك المسلم الحق إلَّا الرضا بالقضاء والقَدَر، وهذا هو الموت، دائماً يختار مِن الزهور أحلاها، ليختار شاباً أميناً لمَّاحاً، شجاعاً معطاءً، في زهرة الشباب والنشاط، ولا نقول في هذا الاختبار إلَّا «إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون». أما أنت أيها الوالد، أيها الصديق ، فقد عرفتكَ صبوراً مؤمناً، محتسباً ترضى بالقضاء والقَدَر، وأُحب أن أُخبركم يا آل عبدالمقصود، بأن الله جلَّت قدرته يُحبّكم، لأن الأثر النبوي يقول: (إنَّ الله إذا أحب عبداً ابتلاه)، وهل هناك ابتلاء أكثر مِن أن يفقد الأهل ابنهم، الذي مازال في زهرة الشَّباب وقمة العطاء..؟! أيها الصديق ، أُحب أن أُذكِّرك -وأنتَ العارف- أن الرضا بالقضاء والقدر، واحتساب البلاء، والتسليم بما كتبه الله علينا، مِن شِيَم المؤمنين الصابرين، لا يقدر عليه إلَّا أُولو العزم مِن الرِّجال، وأنتَ بصَبرك ورضاك وقبولك، تُثبت أنَّك واحد مِن هؤلاء المؤمنين..! وفي الخِتام أُذكِّرك أنتَ وأهلك الصَّابرين، بأن فقيدكم يُرجى له خيرٌ كثيرٌ، فقد رحلَ عن الدنيا؛ وأبواه راضيان عنه، وقد سبقهما إلى الجنَّة بإذن الله، وقد جاء في بعض الأثر أن مِن علامات الخير للمرء، رحيله عن الدنيا في حياة أبويه، لأن ذلك يَجعلهما يَدعيان له، ويترحَّمان له، ودعاء الوالدين مُستجاب، كيف لا، والجنَّة كلها تحت أقدامهما..؟! لا نقول في هذا المصاب إلَّا ما يُرضي ربنا سبحانه وتعالى، فكل نفسٍ ذَائقة الموت، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ولله ما أعطى ولله ما أخذ، وإن العين لتدمع، والقلب ليحزن، وإنَّا على فراقك يا «إباء» لمحزونون..!.