دائما نقول أن مشكلتنا الأزلية التي نعاني منها تتمثل في أن ولاة الأمر -حفظهم الله- يطرحون فينا الثقة والبعض منا لا يقدر هذه الثقة، يطلبون منا إعطاء صورة حقيقية عن الواقع الفعلي للمشاكل التي أوجدت لدينا البطالة في مجتمعنا، وكيفية توظيف وإيجاد وظائف لأبناء الوطن ولا نعطيهم الإجابة الشافية الشفافة والآلية لتنفيذها لكي يتخذوا وفقها قرارات وطنية شجاعة تحد من هذا الهدر الكبير لإقتصاد البلد بسبب تلك العمالة الوافدة وتحويلاتها الشرعية وغير الشرعية. فسلطة المجتمع عليها مسؤولية توظيفهم بأي من القطاعين العام أو الخاص، كما يجب علينا كمسؤولين أن لا نتنصل من هذا الشرف العظيم الذي أولانا إياه ولاة الأمرفي هذا البلد الذين هم منا ونحن منهم. ملك وسمو ولي عهد وسمو نائب ثان -حفظهم الله جميعا- هم قادة مخلصون لهذا البلد. فقائدنا الوطني المخلص ذهب إلى الاحياء الفقيرة بنفسه ورأى العجب العجاب من أسر بكاملها تقبع تحت خط الفقر والسبب ليس تقصيرا من قبل ولاة الأمر بل إن التقصير والخذلان والفشل هو من البعض منا، ولكي نبرهن على ذلك، أين استراتيجية الفقر التي أمر بها ملك البلاد والعباد؟ وأين المبالغ التي رصدت لها والبالغة ثلاثمائة مليون ريال؟ لماذا لم تر النور إلى الآن على الرغم من تعاقب ثلاثة وزراء على وزارة الشؤون الاجتماعية؟ أين العلة وأين مكمن الخلل؟ الإجابة عند البعض منا ممن لم يحمل الأمانة التي أبت أن تحملها السموات والأرض والجبال وحملها إنسان ظلوم جهول. نحن نعرف أن تحديد نسبة البطالة في أي مجتمع ليست بالأمر السهل الذي يتصوره البعض، ولكن الشيء غير المقبول وغير العلمي هو إطلاق النسب جزافا بدون دراية علمية وخبرة بحثية منهجية مستندة على أسس علمية وبحثية سليمة سواء كان في جمع المعلومات، أو في كيفية جمع المعلومات، أو في تحليل المعلومات التحليل العلمي المنطقي المقنع وفق المعطيات والظروف المحيطة بتلك المعلومات، أو الباحث نفسه وتمكنه البحثي وقراءته للمعلومات قراءة علمية مهنية متأنية إلى غيرها من الأمور. ولنأخذ تلك النسب للبطالة في المملكة حيث أشار البعض بأنها تجاوزت ال (30%)، والآخر (8%)، والتصريح السابق لمعالي وزير العمل من أن النسبة هي في حدود (9 % ) ولن ندخل في تحليل علمي لتلك النسب لأنني لم أطلع عليها وإنما سوف نستخدم البديهيات والبساطة في تعليقنا عليها لكي يحكم القارئ العزيز ويكتشف بنفسه خطأ تلك النسب وأنها نسب غير صحيحة. فالأعداد الحقيقية للمواطنين، ليس فحسب من هم في سن العمل بل من هم فعلا يبحثون عن العمل، هي أعداد غائبة، لأن هناك فرقاً بين من يبحث عن عمل، وبين من هو في سن العمل ولا يرغب في العمل لاعتبارات عديدة من أهمها: انه أي ذلك الشخص إما أنه يريد أن يكمل تعليمه وبالتالي لا يريد عملا في الوقت الحاضر، أو أنه ولد نعمة لا يريد العمل، أو أنه ولد نعمة ويعمل مع والده في القطاع الخاص، أو أنه ببساطة لا يريد أن يعمل ويفضل أن يكون عالة على الآخرين، أو أنه من النوعية التي تبحث عن أعمال مريحة ومجزية بأقل جهد يبذله، فتجده من النوعية التي تنطط من عمل إلى عمل آخر بحثا عن الراحة والدعة والراتب المغري إلى غيرهم ممن لا يبحثون عن عمل. جميع تلك الأمور وغيرها يجب أن توضع في الحسبان عندما نستخرج نسب البطالة، ولكي نبرهن للقارىْ صحة ما نقول فإن الدول التي لديها معلومات أول بأول وصحيحة ودقيقة، أي أن جميع أعمالهم مبرمجة بحيث عندما يدخل شخص ما سوق العمل يسجل بالجهاز الآلي أنه حصل على عمل في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية وبالتالي يسقطه الجهاز من نسبة البطالة المعلنة إما بشكل أسبوعي أو بشكل شهري على حسب العقد المبرم مع صاحب العمل. فتلك الدول التي سبقتنا في تلك الدقة الإحصائية المتناهية يتحتم عليها ان يكون لديها نظام دقيق لأن العاطلين عن العمل تصرف لهم مساعدات مالية حتى يجد عملا وعندما يجد عملا تسقط عنه تلك المساعدات المالية وبالتالي فإن لديهم عملية ضبط دقيقة جدا. وقد يتساءل القاري الكريم ويقول لماذا في الدول المتقدمة يعطون مساعدات مالية للعاطلين عن العمل؟. ونقول ببساطة أيضا أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن البطالة لها علاقة وإرتباط وثيق في الجريمة، فالعاطل عن العمل مثله مثل بقية البشر يريد أن يأكل ويشرب ويسكن ويتنقل ويستمتع في الدنيا و بالتالي عندما يكون عاطلا عن العمل فمن أين له الدخل المادي الذي يصرف منه على تلك المتطلبات؟. ولذلك وجدت تلك الدول أنه من الناحية الإقتصادية من الأفضل لها أن تعطي العاطل مساعدة مالية حتى يجد عملا بدلا من ارتكاب الجرائم التي سوف يترتب عليها أعباء مالية كبيرة على المجتمع أكثر من قيمة تلك المساعدات المالية المصروفة للعاطل والمتمثلة بالبحث عنه عند إرتكابه الجريمة، والقبض عليه، ومحاكمته، وإيداعه السجن، والصرف عليه، وترك عائلته تنحرف وتتشرد، وقد ترتكب الجرائم، إضافة إلى زعزعة الأمن وإرهاب المجتمع إلى غيرها من السلبيات التي تكلف المجتمع مبالغ مالية كبيرة أكثر من تلك المساعدات التي تعينه على الحياة حتى يجد عملا، بعبارة أخرى أن دور تلك المساعدات دور وقائي وعلاجي في الوقت نفسه. إضافة إلى أمر آخر لايقل أهمية عن السابق ألا وهو عدم وجود معلومات رقمية صحيحة ودقيقة عن سوق العمل توضح لنا أعداد ومختلف التخصصات الموجودة في سوق العمل سواء في الوقت الحاضر أو المستقبل وعلى ضوئه نوظف في الحاضر ونبني خططنا في إعداد القوى العاملة الوطنية للأعمال التي يتطلبها المجتمع مستقبلا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سوف نحصل على معلومات صحيحة ودقيقة عن حاجة سوق العمل للقوى العاملة الوطنية؟. من سوف يمدنا،كباحثين، بمعلومات صحيحة ودقيقة عن الحاجة الفعلية للقوى العاملة الوطنية حتى نخرج بنتائج صحيحة عن النسبة الحقيقية للبطالة في مجتمعنا؟. أليس البعض من القطاع الخاص قام بوضع ملفات وهمية فيها صور بطاقات لأشخاص كبار في السن والبعض منهم توفاهم الله لكي يحتالوا على قرار السعودة الذي يهدف في محصلته الأخيرة الحفاظ على أمننا الوطني وذلك بمساعدة من هم في حاجة للعمل حتى لايكونوا مصدر تهديد لأمن المجتمع واستقراره عندما لا يجدون أعمالا يأكلون منها هم وأسرهم؟. ثم كيف سوف نحصل على إحصائيات دقيقة وجميع القطاعات التي تخدم القوى العاملة الوطنية مجهوداتها مبعثرة وغير فاعلة ولا تخدم القوى العاملة الوطنية بأي شكل من الأشكال في وضعها الحالي، ولا رابط ولا تنسيق بينها فكل قطاع يغني على ليلاه. وأخيرا لا توجد لدينا إحصائية حديثة كاملة ودقيقة عن العدد الفعلي للسكان في المملكة العربية السعودية لكي نستخرج نسبتين بدلا من نسبة واحدة، ونقصد بذلك نسبة البطالة للعدد الفعلي للراغبين في العمل من هم في سن العمل (النساء والرجال)، ونسبة البطالة بالنسبة للعدد الفعلي للسكان بشكل عام ولا أعرف إذاكانت إستمارة التعداد السكاني الاخيرة، الذي انطلق يوم الثلاثاء الماضي، مضمنة فقرات لمعرفة حجم البطالة ومتطلبات وحاجة سوق العمل الوظيفي وغيرها من الأمور الأخرى.