قال لي صديقي.. هل تلاحظ حيوية الحراك والحوار حول القضايا الاجتماعية والفكرية في بلادنا؟..قلت نعم.. فمنذ أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الدعوة لممارسة الحوار بديلاً عن الاقصاء، والمجادلة بالحجج بديلاً عن التراشق بالاتهامات، ومنذ أن أعلن الملك أن الوطن للجميع بمختلف فئاتهم وطوائفهم وأفكارهم ونحن نعيش انعكاسات هذه الدعوة وآثارها ونتائجها والتي من بينها ان صحفنا ووسائل إعلامنا أصبحت ثرية بمواضيع للنقاش لم يسبق طرحها بهذا القدر من الشفافية والحرية بل قل والجرأة أيضاً.. قال صديقي: وهل نحن نعشق الحوار من أجل الحوار أم أن الحوار هو وسيلة للتغيير؟.. قلت الحوار من أجل الحوار هو في حد ذاته مكسب، فمن الحوار ينشأ الفهم، ومن الفهم يتولد التقبل، ومن التقبل ينبعث التعايش والوئام، ومن هذا كله يعم الائتلاف وتسود الثقة.. قال: وماذا عن التغيير؟ قلت التغيير نتيجة طبيعية لمسيرة التاريخ، وهو تيار جار قد تتمكن قوة أو أخرى من الحد من سرعته أو قوة تدفقه ولكنها لن تتمكن من ايقافه أو عكس اتجاهه، وحالة الحوار الدائم المستمر تمهد السبيل أمام التغيير وتسعى إلى توجيهه في الوجهة السليمة التي تمثل توافق رأي المجتمع وتنأى عن فرض نظرة أحادية لفريق دون آخر.. والتغيير أصبح اليوم حقيقة ملموسة فنحن نستشرف بوادره وبشائره في قطاع القضاء، ونشهد معالمه وبعضا من نتائجه في ميدان التعليم، ونعيش واقعه في كثير من المجالات الاجتماعية بما فيها ما يخص مكانة المرأة ودورها في المجتمع ومشاركتها الفاعلة في الحياة العامة. قال صديقي.. ولكننا نشهد أيضا معارضة قوية من فئات عديدة وهذه المعارضة تمارس دورها بالكلمات حيناً وبالعضلات حيناً آخر!!.. قلت لصاحبي المعارضة حق مشروع لأصحاب الفكر المعارض لا ينبغي أن يضيق به أنصار التغيير مثلما هم يطالبون ألا يضيق بفكرهم وبرغبتهم في التغيير أنصار الأمر الواقع، والمعارضة الفكرية تثري المجتمع لأنها تساعد الطرف المقابل على شحذ حججه والتأكد من وجاهتها وتحسين طرائق عرضها، سئل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي التونسي ذات مرة عما إذا كان حزبه يمكن أن يعترف بهزيمته فيما لو خاض انتخابات ديمقراطية حرة وكيف يمكن أن يوائم بين مثل هذا الاعتراف وبين قناعته بقدسية النهج الاسلامي الذي يعتقده حزبه، فأجاب قائلاً: إن رفض الناس للحزب لا يعني رفضاً للاسلام وإنما يعني أن البشر الذين يمثلون الحزب قد أخطأوا في الأداء أو قصروا في الإيضاح وأن عليهم أن يعودوا إلى مواقعهم ليراجعوا أداءهم ويحسنوا عرض أفكارهم.. إننا إن قبلنا هذا المبدأ فإن الاحتكام إلى الرأي العام يصبح الوسيلة المثلى للبت في قضايا الوطن واختياراته. لا تضيقوا بالمقاومة..خاصة إذا لم تتجاوز حدود الحوار وآدابه، أما المقاومة بالعضلات فهي غالباً ما تكون دليلاً على الإفلاس الفكري.