أشار معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة إلى أن مفهوم الصناعات الثقافية أو الإبداعية لم يترسخ بعد في مجتمعنا ولم يتأصل بعد في ثقافتنا على الرغم من أن الصناعات الثقافية أصبحت دون أن ندري جزءا من حياتنا بل اصبحت جزءا أصيلاً، وقال: أتصور أننا في حاجة ماسة لرصد معالم هذا التحول الثقافي ذي المفاهيم الجديدة التي لم نألفها. جاء ذلك خلال افتتاحه مساء أمس ملتقى النقد الأدبي في دورته الثالثة «الشعر السعودي في رؤى النقاد: مقاربات ومراجعات» والذي ينظمه نادي الرياض الأدبي بمركز الملك فهد الثقافي، وأضاف الوزير في كلمته: من الملاحظ أن القضايا الثقافية الخالصة والمسائل النقدية المتخصصة خرجت من عزلتها وانفلتت من عقالها في الجامعة والأكاديميات والغرف المغلقة وأصبحت بسبب هذه الندوات مما لايسع العامي الجهل به ولم يعد الحديث عن البنيوية وما بعد البنيوية والتفكيك والوعي واللاوعي من الطلاسم والأحاجي بل أصبحت هذه المصطلحات شائعة في كلام أوساط الناس من الذين يأخذون من كل فن بطرف. وتابع: لكنني أحس أن هذه الندوات النقدية التي غادرت الجامعة والتحمت بالناس، أحس أنها ظاهرة سعودية خالصة، فالبلدان العربية وأنا عشت حيناً من الدهر في مركزين ثقافيين مهمين هما المغرب ولبنان، عرفت القضايا الفلسفية والنقدية، واشتغل فيها المتخصصون وعقدوا في مسائل النقد والفلسفة والعلوم الإنسانية مئات الندوات ولكنها مقصورة على أروقة الجامعات، وحتى المؤترات الفلسفية والنقدية لم تكن تشغل سوى أذهان أهل الاختصاص من الفلاسفة والمفكرين والنقاد ولم تصبح ظاهرة ثقافية اجتماعية إلا في الممملكة. وزاد معاليه: المكان الذي نجتمع فيه الليلة (مركز الملك فهد الثقافي) بعث في نفسي جملة من التأملات أريد أن أنثرها بين أيديكم، وذلك أن المتأمل في المدينة السعودية في الفترة الأخيرة، ولنأخذ مدينة الرياض حيث تعقد فيها هذه الندوة، مثالاً يدرك أن تطورا كبيرا طاول مدننا ولعل أبرز ما يمكن أن يقرأه المراقب لهذا التطور أننا وصلنا إلى مرحلة ما يمكن تسميتها ب«مباهج المدن الحديثة» وهي تلك المدن التي تتميز بعالميتها وكونيتها، ويبرر ذلك في مفهوم إشباع الحاجة لمن يعيش في هذه المدن الحديثة من التسوق والترفيه والخدمات والثقافة والفنون، مضيفاً: ولنا أيها الزماء والزميلات أن نتأمل المكان الذي نحتفل فيه فهو خير معبّر عن المدينة الحديثة التي تحقق مفهوم الإشباع الثقافي والفني لأنه يؤكد دخول مفهوم جديد على المدن الحديثة ومن بينها الرياض وهو مفهوم «الصناعات الثقافية»، فهذا المبنى الباذخ يقرأ بذكاء ما ستكون عليه مدينة الرياض باعتبارها مدينة مبهجة، وكأن هذا المركز الذي أسّسه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد، يرحمه الله، ولم يشهد افتتاحه لانتقاله إلى الرفيق الأعلى، يوضح كيف تكون الثقافة جزءا أساسيا وفاعلا في تخطيط المدن الحديثة، ولعل هذا المركز الذي أرجو أن تتاح لكم الفرصة للتجول في مرافقه يعبّر عن تجاور الصناعات الثقافية بعضها إلى جانب بعض، وأن الثقافة عملا إبداعيا يعتمد على الموهبة والعزلة، ولكنها أصبحت صناعة كغيرها من الصناعات، شريطة أن تكفل لها معناها الراقي في تتنمية المجتمع والوطن. وأوضح وزير الثقافة والإعلام أن «الصناعات الثقافية» أو الإبداعية كما تُسمى أصبحت عصبا رئيسيا في المدن الكبرى وهذا ما سيشعر به من يجوب شوارع الرياض وطرقها، فثمة مراكز عالمية للبحث ومراكز للكتاب والمخطوطات والوثائق ومكتبات عامة تضم في جنباتها تراث الإنسانية في تاريخها الطويل، وليتأمل كل واحد منا يوميات الرياض الثقافية أحسب أنه سيجد حزمة ضخمة من المناسبات الثقافية التي تشكّل مفهوم الصناعات الثقافية، وذلك يعبّر عن الغاية التي أردت أن أتأملها معكم وهي دخول مفهوم الثقافة بمعناه الإنساني الواسع إلى قاموس الحياة السعودية المعاصرة، وذلك يعني أننا أصبحنا ننظر إلى الكون من حولنا بطريقة مختلفة، مشيراً إلى أن الثقافة السعودية أصبحت فاعلة ومؤثرة في الخطاب الثقافي العربي وخاصة الخطاب النقدي الذي كان له الريادة في الانتشار عربيا منذ ما يزيد على عقدين من الزمان، وشهد الكتاب النقدي السعودي في السنوات العشر الأخيرة نموا وتوسعا فيما يشتغل عليه من قضايا ومسائل وأسهمت الأندية في تأصيل المفاهيم الإصطلاحية النقدية، وما دمت في رحاب الناي الأدبي بالرياض فينبغي أن أشير إلى الإصدارات النقدية المهمة التي أخرجها هذا النادي في السنوات الأربع الأخيرة. وفي ختام كلمته، قدم الدكتور خوجة شكر للدكتور سعد البازعي من باب الوفاء وقال: شكرا لهذا الناقد والمفكر الدؤوب الذي عرفناه عاشقا لثقافة الصحراء. كما ألقى رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الوشمي كلمة قال فيها: يعلم الجميع أن الأندية الأدبية مؤسسات ثقافية وطنية تتحرك وفق وجهات الوطن وثوابته وهي إبان ذلك تصنع ما يشبه التنسيق اللامرئي بينها ولكنه تنسيق واقعي، فنحن قبل أسبوعين كنا في جدة حيث ملتقى النص، واليوم في الرياض حيث ملتقى القد الأدبي، وغدا في المدينة وتبوك، وبعده الأحساء وقد مثّلت الملتقايات المسار العلمي والثقافي والمتخصص للأندية، فإلى جانب أنشطتها الممتدة تطرح مسارها المتخصص في خدمة الحراك الثقافي. كما ألقت الدكتورة وفاء السبيّل كلمة بهذه المناسبة، وتحدث الدكتور سعد البازعي عن بداية علاقته مع نادي الرياض الأدبي متمنيا أن يستمر فيه مشاركا وباحثا. وفي ختام الحفل سلم معالي وزير الثقافة والإعلام درع التكريم للمكرم في الملتقى هذا العام وهو الدكتور سعد البازعي، وأيضاً تم تكريم راعي الملتقى رجل الأعمال إبراهيم الزويد. حضر الحفل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافة المكلف الدكتور عبدالله الجاسر والدكتور عبدالعزيز السبيّل ورؤساء الأندية الأدبية ونخبة من المثقفين والنقاد والأدباء. هذا وتتواصل اليوم الأربعاء فعاليات الملتقى، حيث تقام جلستان، الأولى عن “نقد الشعر السعودي” والثانية ستكون عبارة عن تقديم أوراق عمل، وسيشارك في الجلستين مجموعة من المثقفين والمتخصصين.