قال لي صديق: إن عدم القدرة على التعبير عند الفواجع دليل قاطع على قوة اثرها وعمقها.. وهكذا حالي عند فقدي رجلاً حبيباً الى قلبي.. يمثل النور الساطع الهادي في اسرتنا. في كل الاسابيع التي مرت علينا منذ وفاته - رحمه الله - وانا اكتب محاولاً التعبير عن حزني - لكنني سرعان ما امزق ما مكتب لانه دون حقيقة آلامي وليس مطابقاً لما يتوقد من نار الأسى في وجداني فالفجيعة اكبر.. والأسى الحقيقي اعظم ووصف سمات من فقدناه أدق واصعب. تلاقت فيه كل وشائج القربى وصلة الارحام.. فتعددت عند فقده اسباب الحزن والآلام.. فهو عمي منزلة.. وهو صهري وجد اولادي.. بل هو اخي وصديقي بيننا من العلاقة وصدق التعامل ما يجعله فوق كل صفات من اعرفهم في حياتي. أبثه مصارحاً بآلامي حين لا اجد متنفساً لها احكي له بصدق احزاني حين تغيم بظلامها على حياتي.. اشكو له اوجاعي وما يعتلج في نفسي دون ان يعرفه أحد غيره من اهلي او اصحابي وهو - رحمه الله - كان على نفس الشاكلة.. يكاشفني ويشركني في همومه واوجاعه ويثق برأيي ومشورتي. كان عمنا الشيخ عبدالرحمن عبدالعزيز الجميح - رحمه الله - الملاذ لكل ما يعن لنا جميعاً من امور او قضايا - فردية او عائلية - فقد كان - رحمه الله - الميزان الذي لا تميل كفة منه لغير الحق، وكان صريحاً معنا جميعاً لا يخبئ شيئاً نافعاً في قلبه الا ويقوله.. يقول الحق ولا يجامل وينصف بالعدل ولا يماري. وقف معنا في كل امورنا.. لم يتخلَ عن دعمنا في شيء حتى وان لم يكن وفق ما رآه اقرب الناس اليه، لانه مع الحق لا مع نزعات ذوي القربى، وان اقتربت درجاتهم اكثر. نعم.. فلقد فقدنا رجلاً كريم الصفات، نبيل المشاعر، ورفيع الخلق، تميزت شخصيته باجمل سمات المؤمنين، ولا أزكي احداً على الله. فبجانب كونه من المحسنين، كان كريما في خلقه وطباعه، وثبات المبادئ عنده، وارضاء الرحمن في تعامله، وغير ذلك كثير من صفات المؤمنين الصالحين فلا اذكر - مع طول عشرتي وملازمتي له - ان اغضب احداً، أو ظلم أو اساء إلى انسان، فالإيثار كان اساس تعامله، وحب الخير، ومساعدة الناس، واحترام الكبير والعطف واللين مع الصغير، ورد المظالم كان طبعه، يكره الغيبة والنميمة والحسد، يتحلى بالبعد عن الكبر والصلف، بل إن النبل والتروي والتأدب هو ديدنه. لقد كان فقيدنا - رحمه الله - واسع الاطلاع والثقافة والدراية في الامور الدينية، والاحكام الشرعية، والادب والتاريخ، لا يُطرق موضوع في مجلس الا وتكون له مداخلة مفيدة نافعة، يفيض بها على مسامع الحاضرين من معرفته وخبرته، له مواقف انسانية وعملية لا تنسى ابداً. فإن كنت ايها العم الغالي قد رحلت عنا الى مثواك.. الى دار البقاء تسبقك دعوات الالوف لك بالرحمة والغفران، وان تلقى ربك راضياً مرضياً.. فقد رحلت ايها الحبيب الطيب الغالي وانت محمود السيرة، طيب الذكر، وتركت فينا معرفة معاني البر، وصلة الارحام، والفضيلة والصلاح، فو الله لن ننسى ابداً كل ما رسخته فينا من كريم طباعك، ونبيل شيمك، وفائق ايثارك.. وجميل وفائك.