كنت ممن دعاه سمو الامير المثقف تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن مع جمع من المثقفين في مزرعته قبل حوالى سنتين للتعريف بجائزة (سعفة القدوة الحسنة) التي كان يعتزم انشاءها لتكون جائزة للشفافية والنزاهة، وكنت ممن داخل في الجلسة بأنه آن الوقت في بلادنا بأن يسجّل من يتولى خدمة عامة أملاكه إذا تولّى المنصب وأن يساءل إذا بلغت ثروته الملايين أو فوقها (من أين لك هذا؟) ولا يعني ذلك قدحاً في الذمم، ولكن حماية للنزاهة ومكافحة للفساد الذي نبت وصارت له قرون كما حصل في فاجعة جدة. وكنت -ومازلت- أرى أن مباشرة هيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد وجائزة (سعفة القدوة الحسنة) علامة على المستوى الحضاري والاداري الذي وصلت إليه بلادنا، ودلالة على أن الادارة العامة بحاجة أكثر الان من ذي قبل لوجود أجهزة رقابية فاعلة ولضرورة تطوير أنظمة الموجود منها لتواكب الزمن، وأن نعطي صلاحية واسعة، وأن تصدر قرارات صارمة، والأمل ان تكون نتائج التحقيق في كارثة جدة بداية الاعلان عن قرارات صارمة لمكافحة سرطان الفساد ليس في المال وحده، بل في الإدارة وممارستها. المؤسف أن جائزة سعفة القدوة الحسنة قد حجبت هذا العام، وهو عامها الثاني وذلك بسبب عدم اكتمال الشروط والمعايير لملفات المرشحين للجائزة، والمعايير أربعة هي الشفافية، والنزاهة، والعدالة، والمساءلة، واذا توافرت هذه الشروط في بيئة العمل السعودي استحقت الجائزة، وهذا يعني ان هذه المعايير لم تنطبق على الملفات المقدمة، وهو يعني أن من لم يتقدم عرف سلفاً اختلال الشروط لديه وهو يعني أنه لا أحد يستحقها ممن تقدم ومن لم يتقدم، أي أن بيئة العمل لدينا على اتساعها تخلو من الشفافية والنزاهة والعدالة والمساءلة، وهذا أمر خطير، فخلو البيئة من ذلك يستحق أن يدرس، وإعلان عدم وجود فائز شفافية في حدّ ذاته عن بيئة العمل، وفاجعة جدة إعلان عن الفساد، وأوجه القصور في الاداء التي امتلأت بها وسائل الاعلام وبخاصة بعد فاجعة جدة دليل على الحاجة الضرورية لمراجعة ملفات الفساد الاداري وأن هذه السوسة كالسوسة الحمراء ستنخر في المؤسسات حتى تسقط كما تسقط النخلة الشامخة، وعند ذلك لا قيمة للسعف حتى لو كان أخضر. لابد من تدارك الأمر قبل فوات الأوان، ولا عيب في معالجة المرض، ولكن السكوت عنه سيجعله ينتشر حتى يستشري ويصل الى مرحلة صعبة العلاج، وللأسف أن بعض القطاعات التي حصلت العام الماضي على الجائزة كان أداؤها في العام التالي دون المستوى بل عانى الناس كثيراً من القطاعات الخدمية المسؤولة عن رقابتها.