على هامش معرض الرياض للكتاب أجد نفسي أدون عدداً من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة ليست كباقي الأجوبة... أنها أجوبة لا بد أن تخرج من رحم دراسات وبحوث تهتم فعلاً بإيجاد حلول للمشكلات التي تولّدت عنها تلك الأسئلة. فهناك واقع مرير يؤكدّ أن مجتمعاتنا العربية تعاني من أزمة هجر الكتاب وأن هذه الأزمة تعود إلى المدرسة التي لم تحبّب الطفل في الكتاب ولم تعوّده على القراءة. فعلاقة المرء السلبية بالقراءة تبدأ في عمر مبكرة منذ كان طفلاً!!! إذ سقط الكتاب من اهتماماته حينما كان أوّل ظهور في حياته على شكل مادة ومقررّ دراسي جامد باهت منفّر.. ومع ذلك يقرر نجاحه أو رسوبه!! ويجد نفسه مجبراً على التعامل معه ومكرها على مطالعته. ومع عجز وزارة التربية والتعليم عن وضع استراتيجيات تهدف إلى خلق أجيال قارئة بات الأمل ضعيفاً في جذب نشء أمة (اقرأ) إلى ممارسة القراءة. وجعل الكتاب رفيقاً محبوباً. وبناء على ذلك نجد أن على الوزارة اليوم مسؤوليات جساماً لتغيير نمطية الآلية الجامدة في التلقين والاهتمام بالكم لا بالكيف الأمر الذي يحمّل الطالب والطالبة أعباء كم هائل من الكتب التي تقرر مصيره دون أن يستوعب ما فيها...والبداية للتحدي أن يتم التركيز على الكيف باختيار ما ينير عقول النشء وينمى تفكيرهم ويجذبهم للكتاب والمنهج ويربطهم بالمادة فهماً واستيعاباً واستفادة تفتح مداركهم وتشجعهم على اقتناء الكتب خارج المقرر لغرس هذه العادة الحسنة في نفوسهم فتكبر معهم وبذلك يكون التحدي في تحريك مياه النمطية التعليمية الراكدة.. ولا ننسى في ذات الوقت مسؤولية الأسرة. فالأب والأم عليهما مسؤولية أولى قبل دخول الطفل إلى المدرسة وبعدها. إذ عليهما أن يتقبلا التحدي بتغيير أساليب مكافأة الأطفال من نمط الهدايا التقليدية إلى هدايا من ألعاب وخلافه إلى الكتاب ويغرسا حب القراءة الذي تقوم على أركانه ثقافة بناء جيل مختلف في المستقبل يقرأ ويفهم ويبحث ويفكر بعيداً عن التلقين والتكرار الذي أورث المجتمع مخرجات تعليم لا تلبي احتياجات سوق العمل.. فما نراه اليوم من انقطاع العلاقات بين الشباب والكتاب نتاج طبيعي لما اتبعته المدرسة مع الطفل وأسهم فيه الأهل حتى بات الشخص القارئ يتهم بين أصحابه بالسذاجة وأصبح هدفاً للسخرية والتهكّم. كل ذلك جعل التحدي كبيراً والمعركة صعبة أمام الكتاب ولا سيمّا مع زحف الثورة التقنية التي كسرت جسور الاتصال بين الناس ومصادر معرفتهم ودفعت الكتاب إلى الوراء.. إن إقامة معارض الكتب ودعم حركات الترجمة سبل جديدة ومحاولات طيبة لاسترجاع أمتنا لعلاقتها بالكتاب..لكن أعتقد أن الأمر يحتاج إلى دراسات وجهود مضاعفة. كما نحتاج إلى سبل مرغّبة ومشجعة فمثلا نحن بحاجة إلى صناعة كتب خاصة بالطفل تأخذ بيده إلى المستوى الذي يمكنّه من التعودّ على القراءة..كما أننا بحاجة لاهتمام عظيم بأمر القراءة وغرس حبها في النفوس منذ الصغر كي لا يظل إنتاجنا من الأجيال بعيداً عن القراءة..