قال ابن حزم في كتابه ( مداواة النفوس ) : بحثت عن شيء يتفق الناس على فعل كل شيء من أجله فوجدته طرد الهمّ . وأستطيع أن أطور هذا الفكر على النحو الآتي : 1- ليس الأمر مقصورا على الناس ، بل يدخل فيه الناس وسائر الحيوان ، فكلهم يتحرك لطرد الهم ، وفرار النعجة من الذيب والسَّبُع ، وحركتها لمصالحها ، وانفعالها ، ونطاحها ؛ لأجل ذلك . 2- كل ما يفعله الخلق إنما يريدون من فعلهم طلب الراحة ، ولم أقل : السعادة ؛ لأن من يسعى إلى الخلاص من نفسه لا يفعل ذلك لطلب السعادة ، فالسعادة تساوي الحياة الطيبة ، وإنما يفعل ذلك ليرتاح من الهم ويتخلص من القلق ، ولعل الإنسان وحده من جنس الحيوان هو الذي يلجأ إلى قتل نفسه لما طبع عليه من عجل وضعف . ولم أقل : طرد الهمّ ؛ لأن الفاعل الذي يفعل الشيء أو يمتنع عن فعله قد يكون منه ذلك حيث لا همَّ .. فإن قيل : طلب الراحة لا يكون إلا عن همٍّ ، قلنا : لا يلزم ذلك إلا أن يكون المراد بالهمّ معنى أوسع مما هو معلوم معناه ، مثاله : من أكل لأنه جائع حتى شبع ، فَعَل ذلك ليطرد همَّ الجوع ، فإذا أكل بعد أن يشبع أكلَ شهوةٍ ، لا أكل جوع ، كان ذلك زيادة طمع في راحة النفس من حيث يحسبها راحة ، وليس له من همّ يعالجه حين ذاك ، وطالب الراحة بين أمور ثلاثة ، إما أن يصيب الصواب ، أو يخطئ في التقدير ، أو يعجل في الفعل عجلة تُضعف تماسك الفكر ، وتسوق الرغبة في الراحة بقائد أعمى في طريق مخوف مظلم . [email protected]