فُجعت من خَطْب ذُهل منه وعيي وغُصّ به حلقي، فعقد لساني عن الكلام عنه ، وأقعدني عن الكتابة فيه حتى هذا الوقت. ذلك الخطب الذي أصاب محضنًا تعليميًا كان لي شرف تعهد طالباته بالتربية والتدريس في بداية حياتي العملية منذ سنوات ؛ فكان لي معهن بين جنباته حلقات درس في تحاور وتوادّ ، وتهذيب نفس في تراحم ومؤاخاة، وتحفيز إبداع في استمتاع ومؤانسة. واليوم تستحيل فيه أنامل بعض طالباته المبدعة إلى مخالب مخربشة ومعاول هدامة حطّمت وسائل العلم وأدواته فتحطمت معها قيمه وآدابه التي أسهمت في غرسها فيهن يومًا، واستحالت أصواتهن المترنمة بأهازيج الثقافة والفنون والجمال الخُلُقي إلى صرخات شتائم وألفاظ نابية صرخ معها التهذيب ألمًا أحرق فؤادي ورداء هيبتي العلمية حتى تصاعد دخان حريقه الأسود خانقًا الأجواء مع استنجاد إحدى المربيات المذعور من هجومهن الذي دوّت لإيقافه صفارات مركبات الشرطة ، فدق معها جرس الإنذار بخطورة وضع التربية في حصون التعليم. ما فتئ المربون يعلّمون الطلبة والطالبات في تلك الحصون ما يوصينا به ديننا الحنيف من احترام الوالدين لبرّهما حتى وإن جانبا الصواب في التعامل مع أبنائهم، كما يعلمونهم أن المدرسة هي بيتهم الثاني ، فكيف تتجرأ البنات فيها إذن على أمهن الثانية بالتمرد والعصيان إلى حدّ الاعتداء عليها عند تأديبها لهن على مخالفاتهن حتى وإن أخطأت في اختيار الأسلوب التأديبي؟ أو لسنا نعلّم أبناءنا في بيوتنا ومؤسساتنا التعليمية الحديث النبوي «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا»؟ فلم أصبحت مدارسنا اليوم تطبّق الشق الأول فقط من الحديث فتشدد على المعلمين بضرورة الرحمة بالمتعلمين والتحذير المغلّظ من تأديبهم إلى حد التساهل معهم حتى وإن تطاول بعضهم على معلميهم بإساءة الأدب أو الحط من قدرهم؟ وكما تؤدب الأم أبناءها على أخطائهم بإشفاق المربّي الحريص على مصلحتهم في محيط أسرتهم فتلجأ إلى ربّ الأسرة لتحكيمه في معاقبتهم– فإنني أطرح اقتراحات مديرات ومربيات فاضلات في المدارس في هذه القضية من واقع خبرتهن التربوية الميدانية يقدمنها إلى المسؤولين المعنيين بها في وزارة التربية والتعليم بما فيهم القائمات على مدارس البنات؛ حتى نطبّق الحديث النبوي المذكور بشقّيه، وحتى لا ترتسم هذه الصورة المؤلمة المنفّرة لبعض طالبات (المتوسطة 17 بمكة) في محاضننا التعليمية مرة أخرى، وهي: - تضمين محاسبة الطالبات المرتكبات لمثل هذه المخالفات المستنكرة عقابًا بدنيًا منضبطًًا مع وقف التنفيذ يتم تفعيله إن تكرر وقوعها منهن، مع إلزامهن وأولياء أمورهن تعويض المدرسة في حال إلحاقهن أي أضرار بممتلكاتها. - إيجاد نقابة للمعلمين والمعلمات لحفظ حقوقهم، ولرفع أمرهم إليها عند تجاوزهم حدودهم. - تعيين مديرات ذوات خبرة كبيرة ومهارات عالية في التعامل مع طالبات مدارس الأحياء المتعددة الجنسيات. - تفريغ إدارات المدارس والمعلمات للإشراف على الطالبات ومتابعة أوضاعهن وحل مشكلاتهن بتجنيبهن كثرة الأعمال الورقية الناتجة عن متطلبات التعاميم الواردة ، أو التكليف بأنشطة تشغلهن عن أداء مهمتهن الأساسية في التربية والتعليم. - حمل المدارس أولياء الأمور على مشاركتهم لها في متابعة أوضاع بناتهن الدراسية والسلوكية من منطلق كونها تُكمّلهن ولا تؤسِّسهن، ومطالبتها في المقابل مشاركتها لهم في تأديبهن تربويًا عند مخالفتهن أنظمتها وقوانينها. - تغذية المديرات والمعلمات المستمرة للطالبات بالانتماء إلى المدرسة واحترام القائمات على تربيتهن وتعليمهن فيها، والحفاظ على سلامة ممتلكاتها بأساليب متنوعة جذابة. - حمل المديرات والمعلمات الطالبات على احترام أنظمة المدرسة وقوانينها بالإقناع عن طريق جعل أنفسهن القدوة الحسنة في الالتزام بتطبيقه، والتوضيح المستمر بأن هذه الأنظمة وُضعت لخدمتهن، وتبصيرهن بأساليب الثواب والعقاب المتخذة في المدرسة والتطبيق الفعلي لها.