في عصر طوفان المعلومات ، أصبحت شعوبنا تحت رحمة الله عز وجل ، العالم الأول اهتم بعصر المعلومات السريعة من عام 1943 مع أول ظهور لكمبيوتر رقمي متعدد الأغراض، ثم تطور في عام 1977 بظهور الكمبيوتر الشخصي وأصبح حقا مشاعا يتمتع به كل أفراد المجتمع الإنساني ، طبعا نحن خارج التشكيل في المجتمع الاول . ثم قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بتطوير تقنية المعلومات عن طريق وزارة الدفاع الأمريكية حين صنعت شبكة (أربانيت) للربط بين الجامعات ومراكز البحوث الأمريكية ضماناً لاستمرار التواصل بين العلماء ومتخذي القرار العسكري والسياسي للدولة ، وظلت الشبكة تنمو بمعدلات هائلة حتى أصبحت تعرف بالإنترنت، وكان قرار خروج الانترنت على العالم الإنساني بقرار من وكالة الاستخبارات الأميركية في بداية التسعينيات من القرن الماضي ،والله يستر من تبعيات هذا القرار . حيث نلاحظ بعد قرار دمج تكنولوجيا الكمبيوتر مع تكنولوجيا الاتصالات في كيان واحد ، وخلال عشر سنوات من القرن الواحد والعشرين أصبحت المعلومات التي انتجتها الانترنت والميديا والإعلام ، تفوق القدرة التكنولوجية على التخزين ، وقبل الدخول في صلب الموضوع أتساءل في أي موقع من هذا العالم يخزن فيه كل هذا المعلومات وماذا يفعلون به ؟ وهل تعدم المعلومات بعد كل فترة من الزمن أم أنها تخزن في أجهزة عملاقة لا نعلم عنها حتى الان لوقت الحاجة ؟ حسنا بعد هذه المقدمة موضوعي الأساسي يتعلق بأمن المجتمعات المدنية من طوفان المعلومات ، حيث أصبح (الإنسان) يعاني من حجم ودقة (المراقبة) عليه ويعاني كذلك من (التشتت) الفكري والاجتماعي الذي سببته المعلومة الحرة ، خاصة وإذا علمنا ان هناك شركات تشتري المعلومات الشخصية بدءًا من شركات الكريدت كارت ومن شركات الجوال والانترنت والبريد الالكتروني وأخيرها الكاميرات التي وصل عددها أكثر 30 مليون كاميرا حول العالم تسجل حركة الإنسان طوال العام بدون توقف ، هذا غير ضياع او سرقة الأقراص المليئة بالمعلومات الشخصية او أرقام بطاقات الائتمان من بائعي التجزئة على شبكة الإنترنت. والنتيجة انتهاك الخصوصية، وسرقة الهوية، والاحتيال اغلبها على العالم الثالث. كذلك أدى طوفان المعلومات في «فيس بوك» أو «جوجل» إلى سهولة انتهاك السرية حين تقرر الشركات المذكورة إحداث تغييرات قانونية في إعدادات الخصوصية فيصبح المشتركون مكشوفين امام العالم بدون رغبتهم ، او حين تجبر الحكومات الشركات على تسليمها المعلومات الشخصية الخاصة بعملائها، مثل ما حدث لجوال بلاك بيري مع هيئة الاتصالات السعودية وبدلا من أن يجد الناس أنفسهم يملكون ويتحكمون في معلوماتهم الشخصية، تصبح في غمضة عين لدى الجهات الامنية حتى بدون مخالفة صادرة منهم ولكنها اصبحت معلومات تستخدم للمستقبل ضدك . لذلك أقول الله يرحم اختراع (يوهان غوتنبرغ) حين صمم قوالب الحروف التي استخدمت في الطباعة في ألمانيا والذي الغى تناقل المعلومات بالنسخ اليدوي . يقال ان الكارثة المعلوماتية سوف تقع بسبب المراقبة الدقيقة للأحداث العالمية والمحلية والشخصية مع وجود مئات الألوف من وسائل الإعلام والقنوات الإخبارية التي تنشر على مدار الساعة الواحدة أخبار العالم من حولنا ، هذا غير مسجات تويتر والفيس بوك وماسنجر بلاك بيري التي تنشر على مدار الدقيقة وحديث لا ينقطع من التواصل. وعلي العموم اليوم تغيرت موازين القوة، فبعد أن كان «العنف» هو مصدر القوة في الحضارة الزراعية، و»ثروة المال» هو مصدر القوة في الحضارة الصناعية، أصبحت المعلومات هي مصدر القوى في صراع القرن الواحد والعشرين ، وهذا الامر يوضح الاختلاف في مفهوم «المعرفة» عن مفهوم «البيانات» وعن مفهوم «المعلومات» ، فالبيانات ليست إلا تلك العلامات التي نستخدمها في التعبير عن أرقام أو لغة أبجدية أو أشكال أو رموز، مثل بيانات جواز السفر، أما المعلومات فهي بيانات تمت معالجتها لتأخذ شكلا جديدا يفيد متلقيها في أداء عمل أو اتخاذ قرار . مثال ذلك فان (المعرفة الظاهرة) يمكن تدوينها ومن ثم يسهل تداولها،ونوثقها في الوثائق، ونأخذ عليها براءات اختراع، أما (المعرفة المكنونة) فهي خبرات مدفونة في العقل البشري فيصعب التعبير عنها وتدوينها مثل براعة عازف بيانو، أو مهارة طبيب جراحي، أو خبرة طيار تجاري او عسكري ، لذلك توصل العالم الياباني نوناكا سنة 1994 إلى نموذج لإظهار المهارات المدفونة في الإنسان والتي كانت تعتبر «معرفة مكنونة» ونقلها إلى «معرفة ظاهرة» وأصبح بمقدور مصممي الجيل الخامس تطوير حاسب ذكي قادر على التحليل والتركيب، وعلى الاستنتاج المنطقي، وحل المسائل، وبرهنة النظريات، وفهم النصوص، والعزف على البيانو وعمل العمليات الجراحية وقيادة الطائرات، ونجحت اليابان في تقنية المعلومات وبرزت ملامح الخريطة الجيومعلوماتية، في صورة قطبين أمريكي وآسيوي يسعى كل منهما لاحتواء الآخر، وكيان أوروبي مشترك يَعِدُّ الأمن المعلوماتي أحد الأهداف الرئيسية لتكتله الاقتصادي والسياسي. ختاماً ، ان مجتمع المعلومات يعتمد أساساً على قوة العقل البشري وعلي الإلكترونيات الرقمية والهندسة الحيوية وثورة الاتصالات والذكاء الاصطناعي، ونتيجة لهذا التطور الهائل في تقنية المعلومات أصبح العالم الآن متشابكاً ومترابطاً إلى درجة لم تشهدها البشرية من قبل. ولكن لكي يكون هذا العصر ذا طيات إيجابية لابد أن تستخدم المعلومات المتاحة في خدمة القيم الإنسانية، والعمل بان نعيد عصر المعلومات إلى عصر المعرفة ومنه إذا أمكن إلى عصر الحكمة، طبعا هذه أمنيات شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا لانهم خارج نطاق الخدمة .