أعلم أنه ربما هذه الكلمات في ترتيبها تتجاوز إلى أن تكون المقال الواحد بعد المليون الذي يُكتب عن نفس القضية، لا يُهمني أبدًا ذلك.. ولا يُهمني أن تكون قرأت كثيرًا هذه الأفكار.. ولا يُهم إن كُنت ستنعتني بأني ظاهرة صوتية أو قولية ولا تتجاوز ذلك! حقًا كل ذلك لا يُهمني.. سأكتب بشخصانية العالم هُنا.. ويُمكنك أن تعتبر أن الموضوع يخصني وحدي.. سأكتب لأن قلبي ما زالت تستفزه حكايا الموت والدم كما لو كان مصابو المسجد الأقصى اليوم همّ أول جرحى سمعت عنهم! سأكتب لأن للموت حضوره لدّي في كل مرة.. فأنا ما زلت غضّة لم تعودّني الحياة ذلك! سأكتب لأن لبيوت الله في قلبي وعقلي قدسية ومكانة تجعلني أشعر في كل مرة أدخل فيها بيت الله.. أخرج دامعة بأنها نعمة لا يُمكننا شكرها.. فكيف يستبيحون ذلك.. ويبثّون الرعب فينا في المكان الذي نودع فيه مخاوفنا! فأنا بالأمس نامت أحزان قلبي في طمأنينة المسجد الحرام.. واستيقظت اليوم على انتهاك اليهود المغتصبين بعنف لطمأنينة المسجد الأقصى! أنا الآن أكتب ولا أبكي.. أكتب ولا أستجديك أن تقرأ.. وأكتب ولا أجبرك على أن تتغير.. أكتب دون أن اصرخ في أذنك لتسمعني.. أكتب فقط لذوي البصيرة.و لنفسي حتى أثبت لها أني حية! قضية الدم المُنتهك في فلسطين.. والمسجد المستباح في القدس.. قضية مرّ عليها ستون عامًا.. ببساطة لأنها لم تكن قضيتنا ستون عامًا! لو حملناها عامًا واحدًا كل يوم.. لما تجاوز بطش اليهود فيها ذلك العام! إنها قضية ثورية بالنسبة لنا.. موسمية.. وكأنها أحداثًا سنوية واجبة معلبّة سابقًا نمارسها طقوسا كما نمارس الأعياد! لها ملابسها الخاصة.. وعباراتها المعتادة المتكررة.. التي نقول فيها.. نحن جيل النصر ونردد الاغاني والأناشيد! لن ننتصر.. لن تعيد حقي المغتصب هُناك.. لن أسامحك في دم أمي وأختي هُناك – هذا ان قبلوني أختًا لهم على خذلاني- إلا إذا اصبحت فلسطين بالنسبة لنا أم القضايا.. وقضية كل يوم.. قضية كل تفاصيل الحياة! القضية التي نتذكرها حين ننام وحين نصحو.. القضية التي تجعلنا نستحي عند كل فزع نعيشه في تفاصيل حياتنا اليومية.. القضية التي تجعلنا عند كل عافية وأمن ولقمة هنية.. أن نتذكر أن ذلك حجة علينا حتى تتحرر فلسطين! القضية التي نرتبّ أولوياتنا من أجلها.. التي تشحذ همتنا عند كل توقف.. التي تستفز كل طاقاتنا حتى ننُجز من أجلها في أقل الإمكانيات! القضية التي تزيدنا إرادة وهمة.. التي تستنطق صمتنا.. التي تجعلنا لا نتوقف.. القضية التي تجعلنا نتخلى عن أشياء .. ونحارب من أجل الحصول على أخرى! هذه القضية تُريد روحًا تدبّ بها.. تُريد دمًا.. تريد فكرًا.. تريد جهدًا.. تريد دراسةً.. تريد إيمانًا ويقينًا.. إنها أغنى القضايا عن المال.. وعن البكاء! إنها أكثر القضايا التي تستفزها الشفقه والمدامع.. هي قضية لا يحملها إلا حرّ أبيّ ايجابي.. يتحرك في كل اتجاه ولا يتوقف! هي قضية تسكن الوجدان مع نبضك.. ولا ترضى لنفسها إلا الجريان مع دمك! إن لم تكن كذلك فهي لا تريدك ولا تريدني.. وهي واثقة بأن الله سيسخرّ لها من هو أفضل منّا.. وسيستخدم لها من هو أولى بها منّا! إذا أردت أن تشاركني في الدفاع عن دم أمهاتنا هُناك.. إذا أردت أن تطفئ حرقة قلبي على إخواني هُناك.. إذا أردت أن تثبت لنفسك بأنك حي! تحرك بفعل.. اكتب هُنا.. انقل إيمانك بالنصر لمن حولك.. لا تبكي فحرقتهم لا يطفئها بكاؤنا.. لا تُطفأ إلا بالفعل.. بتوديع التكاسل والتخاذل! إنهم لا تؤلمهم ابتساماتنا.. بقدر ما يؤلمهم ترفنا.. وإسرافنا.. وتكاسلنا!.. بقدر ما يؤلمهم موات قلوبنا! هيا استيقظ وقدّم فعلاً واتخذ قرارًا.. وأرسله عبر الإيميل! أسهل ما يُمكنك فعله هو البكاء واليأس.. أليس من ضمن مراسيم العزاء حين يقتل أحد ابنك.. ان يجتمع حولك الباكون.. ويربتون على كتفك! وسينصرفون عنك بعد ثلاثة أيام أو ربما أقل.. لتبقى انت وحدك.. تجري وراء القاتل وتقف أمام كل المحاكم.. وتدعو بحرقة عليه! لن يضيع دم ولدك وإن طالت الأيام! أليس كذلك؟! اذن فلنكف عن دور المعزّين ولنمارس دور أهالي الفقيد الشهيد! دامت قوة الحق تنبض في قلوبكم! رفاه سالم سحاب - جدة