ما أقدمت عليه الحكومة الإسرائيلية مؤخراً عن إعلان بضم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم إلى المعالم التراثية الإسرائيلية يعد انتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية، فهي تشكل سطواً على التراث الفلسطيني والعربي والإسلامي وتقييداً علنياً لحرية العبادة. وهذا إذا ما عرفنا أن الحرم الإبراهيمي يقع جنوب شرق مدينة الخليل في فلسطين، وهو بناء في وسط المدينة، يعتقد أصحاب الديانات السماوية بأن جثمان نبي الله إبراهيم عليه السلام موجود فيه، يحيط به سور كبير يرجح أن أساساته بنيت في عصر هيروروس الأدوي قبل حوالي الألفي عام، والشرفات الواقعة في الأعلى تعود للعصور الإسلامية. حيث بنى الرومان كنيسة في نفس المكان في عهد الإمبراطور بوستياتوس وما لبثت أن هدمت على يد الفرس بعد مئة عام، وفي العصور الإسلامية بنى سقف للحرم وقباب في العصر الأموي، وفي العصر العباسي فتح باب من الجهة الشرقية، ومن ثم في فترة الحملات الصليبية تحول الحرم إلى كنيسة ثانيه، ولكنه عاد إلى جامع إسلامي بعد دخول صلاح الدين بعد معركة حطين، وتطهير هذه البقعة الطاهرة من براثن الصهاينة الحاقدين. أما مسجد بلال بن رباح فيقع في الطريق الرئيسي بين مدن القدس وبيت لحم والخليل، حيث يعتبر بوابة القدسالجنوبية وبوابة بيت لحم الشمالية على مقام قبر راجبل والدة سيدنا يوسف عليه السلام، ويقال أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب مر من ذلك المكان عند فتحه لبيت المقدس، وعندما أدركتهم الصلاة أمر بلال بن رباح بالأذان وسمي بعدها المكان بهذا الاسم. بل أعتقد وأكاد أجزم بأن هذا القرار له عدة دوافع وأهداف يأتي منها على سبيل المثال أن الكيان الصهيوني يسعى بكل ما أوتي من قوة سواء بالرضا أو بالعنف تحويل المسجد الأقصى إلى مكان يهودي مع مضي الوقت، إضافةً إلى محاولة محو ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي التي أرتكبها أحد جبناء الاحتلال في 25 شباط عام 1994م بحق المصلين المسلمين باحتلالهم للمسجد، وكذلك أهمية موقع مسجد بلال بن رباح لربطه للمدن المقدسة في فلسطين، وأهميته لما يمثله من قيمة إسلامية كبيرة للمسلمين، وكخطوة عنصرية تهدف لمحو كل معلم فلسطيني حضاري من صفحات الحضارة الإسلامية حيث يشهد كل شبر وكل حجر وكل زاوية من أنحاء فلسطين. وأيضاً كخطوة إلى تعطيل المفاوضات المجمدة، وتعطيل صفقة تبادل الأسرى، أي بالأصح تعطيل كافة الأمور التي كانت محل ضغط على حكومة نتينياهو، واستفزاز الصهاينة لمشاعر المسلمين وإظهار الهيمنة عليهم. وقد أثار هذا القرار ردود فعل متباينة لدى الشارع الإعلامي الإسرائيلي، حيث هاجمت رئيس الوزراء الإسرائيلي واتهمته اللعب بالنار وبالخضوع مرةً أخرى لضغوط اليمين المتطرف بسبب قرار ضم الحرم ومسجد بلال، حيث اعتبرت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية بأن نيتينياهو لم يتعلم شيئاً من الماضي، كما نشرت الصحف الإسرائيلية كاريكاتوراً يظهر صورة نيتنياهو على علبة كبريت، ووصفت صحيفة (هارتز) نيتينياهو بالمهووس في إشعال الحرائق، أما صحيفة (يديعوت احرونوت) فوصفت الخليل ببركان يهدد بالانفجار، وكشفت أن مسئولين كباراً في الإدارة الأمريكية طلبوا أن يقف نيتينياهو أمام الإعلام ويوضح أنه ليست لإسرائيل أي نية لتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة. كما سجل هذا القرار ردود فعل لدى الشارع العالمي، حيث اعتبرته الإدارة الأمريكية قراراً استفزازياً كما جاء على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، وكذلك التحذير البريطاني باتخاذ الجانب الإسرائيلي لمثل هذا القرار. ونرى نحن كعرب ومسلمين أن نقف بجانب حضارة وتراث وثقافة إخواننا المسلمين الفلسطينيين، وأن ندعمهم، وأن نكثف الجهود لإنجاح الوحدة الفلسطينية لمواجهة الاعتداءات الآثمة من اليهود.. فهذا العدو لن يحارب إلا بلغة القوة، ولغة المقاومة، ويجب علينا أن نشرع المقاومة، وأن لا نجرمها، وأن نعتبرها هي الميدان الرسمي الذي بإمكانه أن يقتلع الاحتلال عن أرضنا.