منذ اللحظة الأولى لقيام دولة النبوة بالمدينةالمنورة - ( سنة 1 ه - سنة 622م ) اعتمد دستور هذه الدولة - ربما لأول مرة في التاريخ مبدأ التعددية الدينية في المرجعية السياسة للدولة على قدم المساواة , ولذلك أدخلت هذه الدولة يهود المدينة- العرب منهم وحلفاءهم العبرانيين ضمن رعية الدولة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين مع احتفاظهم بحريتهم في الاعتقاد الديني ونص دستور هذه الدولة «الصحيفة» «الكتاب» على أن يهود أمه مع المؤمنين , لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومن تبعنا من يهود فإن لهم النصر والأسوة غير مظلومين ولا تتناصر عليهم وأن بطانة يهود ومواليهم كأنفسهم , وان بينهم النصر والنصيحة والبر المحصن من أهل هذه الصحيفة دون الإثم ..» هكذا جعلت دولة النبوة الآخر الديني اليهودي جزءا من الأمة والشعب والرعية - أى جزءا من «الذات» لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. وإذا كانت القطاعات العربية - من قبائل المدينة - التى كانت قد تهودت قبل الإسلام- قد دخلت فى الدين الاسلامى فإن القبائل العبرانية الثلاث بنى قينقاع وبني النضير وبنى قريظة قد سلكت طريق نقض الموادعة والمعاهدة التى أتاحتها لها دولة النبوة فى المدينة ... فبدأ الصدام بينها وبين المسلمين بعد ثمانية عشر شهراً من قيام الدولة الإسلامية الأولى . لقد بدءوا حرباً « بنفسية» ضد الإسلام والمسلمين عندما تحولت القبلة عن بيت المقدس إلى المسجد الحرام فى شعبان (سنة 2 ه - سنة 624م) ونزل فى الرد على حربهم النفسية هذه قرآن كريم : ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم» البقرة وكان هؤلاء اليهود العبرانيون الذين استوطنوا الواحات الزراعية من حول المدينة (يثرب ) والذين سادوا فى المدينة بواسطة الإيقاع بين قبائلها العربية ( الأوس والخزرج ) حريصين على أن لا تقوى شوكة الدولة الإسلامية التى وحدت هذه القبائل دينياً وسياسياً .. فلما انتصر المسلمون نصرهم الكبير فى موقعة بدر ( 20 رمضان 2 ه 17 مارس سنة 624 م ) زاد القلق اليهودي وتصاعد الحقد من قوة الدولة الإسلامية . فأرادوا فتح جبهة داخلية للشقاق فى المدينة فكان نقض يهود بنى قيقاع لعهدهم مع الدولة الاسلامية فى الشهر التالى لانتصار « بدر» فى منتصف شوال سنة 2 ابريل سنة 624 م .. ولقد نزل فى خيانتهم هذه ونقضهم للعهد قرآن كريم ( الذين عاهدتم منهم ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون، وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ اليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) .. الأنفال.. 56-58. لقد كانوا عاهدوا الرسول- صلى الله عليه وسلم – أن يواعدوه فلا يحاربونه ولا يحاربون معه لكنهم نقضوا هذه الموادعة , واستفزوا المسلمين بتعمدهم كشف عورة امرأة مسلمة ذهبت إلى سوقهم التجارى فى المدينة... فحاصرهم المسلمون خمس عشرة ليلة حتى سلموا بالخروج من المدينة وذهبوا إلى اذرعات بأرض الشام . هكذا بدأت علاقة الإسلام والمسلمين بالآخر فى دولة المدينة لقد فتح الإسلام أبواب التعايش بين الديانات المختلفة فى إطار رعية الدولة الواحدة مقرراً لهؤلاء اليهود « النصر والأسوة والنصيحة والبر المحصن» لكنهم بدأوا عض اليد التى أحسنت اليهم .. فكانت حربهم النفسية – عند تحويل القبلة .أولى معاركهم العدوانية..ثم جاء نقض بنى قينقاع للعهد والموادعة عقب انتصار المسلمين في بدر جزعاً من تنامي قوة الدولة الإسلامية التى فتحت لهم أبواب التعايش والتعاون والسلام!؟.