الأسبوع الماضي نشرت الصحف قائمة بأسماء 28 قاضيًا تم تعيينهم بموافقة خادم الحرمين الشريفين، بعد استكمال الإجراءات النظامية اللازمة، ومن أهمها توصية المجلس الأعلى للقضاء. الجميل في القائمة أنها تمثل طيفًا واسعًا من مناطق المملكة المختلفة.. من شمالها، وجنوبها، ووسطها، وشرقها، وغربها، لا يجمع بينهم إلاّ التأهيل والصلاحية لا غير. والأجمل من ذلك هي الشفافية التي اتّسم بها القرار، فقد اعتدنا ألاَّ تُنشر القوائم أبدًا، بل مجرد الخبر.. ترقيات دون ذكر الأسماء. لقد طال هذا المطلب العزيز حتّى كثر الهمس؛ لدرجة تيقّن الناس أن معايير التعيين تتجاوز التأهيل إلى ما دونه، وارتفت وتيرة المطالبة بنشر أسماء جميع القضاة في المملكة؛ حتّى لا تذهب بالناس الظنون. في نظري أن القضاء يعيش اليوم مرحلة انتقالية استثنائية، تعالج معظم نقاط القصور التي واجهها في الماضي. والشكر مرفوع أولاً لخادم الحرمين الشريفين، الذي جعل من هذه المسألة أولوية بالغة، فأصدر أولاً أنظمة تطوير القضاء، ثم اختار لهذا التطوير رجاله الأكفاء، وفرسانه النجباء، يتقدمهم الكبار من أصحاب المعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ووزير العدل، ورؤساء المحكمة العليا والمحكمة الإدارية، وبقية الركب الكرام. الشفافية تعطي المواطن ثقة بالغة، وهي مطلوبة في كل مرفق حكومي يرتبط بمصالح الناس وحاجاتهم، وهي أشد مطلوبية في دوائر القضاء، إذ إن أي إصلاح مرتقب مرهون بإصلاح القضاء. القضاء أولاً لأنه الملاذ الآمن لكل ذي حق، وهو الحصن المنيع ضد أي تعسف، أو قهر، أو سوء استغلال للمنصب والسلطة والجاه. صحيح أن جبهات الإصلاح متعددة وكثيرة ومتنوعة، لكن يظل القضاء صاحب الأولوية الكبرى، ومنه تنطلق المحاولات الأخرى للإصلاح، ومنه تنبثق كل خطوات التطوير الجاد التي تهدف إلى درء الفساد، وضربه في الصميم؛ باعتباره العدو الأول، والمصدر الأوسع لكل تخلّف وتأخّر تشهده أي دولة تعاني من هذه الأمراض المزمنة المعدية. مبروك للقائمة الجديدة من القضاة، والدعاء لهم موصول بالتوفيق والسداد، والأمل فيهم -بعد الله- أن يكونوا دومًا على مستوى التطلّعات والطموحات، وألاَّ تأخذهم في الحق لومة لائم. [email protected]