هل القضاة في السعودية متحيزون ضد المرأة وقضاياها؟ ولماذا لا يبيح بعض القضاة للمرأة الفرصة لقول كل ما عندها ويعنفونها ولا يسمعون منها؟ لماذا تتأخر قضايا المرأة في المحاكم ويطيل القضاة أمد نظرها وآجال الأحكام فيها لفترات طويلة؟ ولماذا التأخير في البت في القضايا الزوجية؟ ولم لا يعتد القضاة ببطاقة المرأة ويطلبون معرفين لها؟ أليس من حق المرأة رفع دعوى قضائية ومتابعة قضيتها بنفسها ومعرفة إجراءات السير فيها حتى الحكم لها أو ضدها؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول علاقة المرأة السعودية بالمحاكم ووقوفها أمام القضاة ، فهناك من يقول إن كافة حقوق المرأة القضائية مكفولة مثل الرجل تماماً، فلها الحق أن تكون مدعية أو مدعى عليها، وإن التقصير يكون من جانب المرأة بجهلها بالأنظمة التي تكفل لها حقوقها. وبالمقابل نجد من يقول إن حقوق المرأة منتقصة، وبعض القضاة لا يستمعون لرأي المرأة سواء كانت مدعية أو مدعى عليها، فتكون النتيجة الحكم ضدها. وبغض النظر عن صحة الاتهامات أو عدمها، فإن قضية علاقة المرأة السعودية تبقى على المحك وموضع تساؤل، ولعل الحالات التي تصل إلى هيئة حقوق الإنسان أو لجنة حقوق الإنسان، حول هذه القضية تظهر أن هناك خللا ما يجب علاجه، ولعل اتجاه وزارة العدل للتوسع في افتتاح مكاتب الصلح داخل المحاكم وتطوير عملها ودعمها بالعديد من الكوادر المؤهلة خطوة مهمة لمعالجة بعض الخلل، خاصة بعد أن أثبتت التجربة نجاحها حيث تنوي الوزارة استحداث 200 وظيفة بمسمى عضو لجنة إصلاح. وأن مكاتب الصلح الجديدة ستسهم في حل كثير من الخلافات الزوجية وقضايا الأحوال الشخصية من قبل قاضي الصلح مما يحقق أهداف المحكمة الجزئية للضمان والأنكحة. وجاءت الدراسة القضائية التي أعدها الشيخ محمد بن إبراهيم الصائغ قاضي المحكمة العامة بضباء بعنوان "حق المرأة في التقاضي" لتوضح حقوق المرأة القضائية، وتحاول الرد على الإشكالات الخاصة بالمرأة السعودية في المحاكم، وحقها في التقاضي فتكون مدعية ومدعى عليها. وأرجع الصائغ إضاعة حقوق المرأة التي كفلها لها الشرع والنظام إلى "جهلها" مما أضاع حقوقها، وأكد على أن للمرأة ذمة مالية مستقلة عن الرجل، ولها كامل الحرية بالتصرف، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك إلا إذا خالفت الشرع، مطالبا وسائل الإعلام المختلفة القيام بواجبها في تثقيف المرأة بحقوقها التي جاءت في الشرع وأكدها النظام. قضاة متحيزون وتطرق الصائغ في دراسته إلى الاتهام الموجه للقضاة بأنهم متحيزون ضد المرأة، وحاول أن يرد عليه من عدة أوجه: الأول الوجه الشرعي الذي يرفض التحيز والظلم على أي إنسان، رجلاً أو امرأة، مواطن أو مقيم، وقال: المتتبع للشرع والنظام يلمس أن المرأة أعطيت كامل حريتها للتعبير عما في نفسها، وأن ترفع تظلماتها لولي الأمر، ليزيل الظلم عنها، ويستمع إليها، وهذا هو الواجب على من ولي أمراً من أمور المسلمين، والمرأة والرجل في هذا سواء. ومن حق المرأة الاستماع إليها، وإعطاؤها حقها في جميع الأمور ومنها القضاء، فإن كانت مدعية مكنت من تحرير دعواها، وإن كانت مدعى عليها، أتيحت لها الفرصة للإجابة عن الدعوى. وقال الصائغ: من خلال الاطلاع على العديد من القضايا التي تكون المرأة طرفا فيها، خصوصا القضايا الزوجية، يلمس أن بعض النساء تكون مترددة في دعواها، فتارة تطلب فسخ نكاحها من زوجها، وتارة تطلب الخلع، ثم تعود ثالثة وتقول لا أريد الطلاق، وإنما أريد إلزامه بحسن المعاشرة، وقد يكون لهذا السبب اثر في أن بعض القضاة يعنف المرأة، ويأمرها بتحرير دعواها، ومعرفة ما تريده بالضبط. فتحرير الدعوى واجب قبل الدخول فيها، ليتمكن المدعى عليه من الإجابة. ويمضي قائلاً: قد يدفع بعض القضاة بعدم إعطاء المرأة مساحة للكلام خوفاً من أن تذكر أموراً تعقد القضية، كالأسرار التي بينها وبين زوجها، خصوصاً في المسائل التي لا تطالب المرأة فيها بفسخ عقد النكاح أو الخلع، وإنما تطالب بنصح الرجل بحسن العشرة، فلو تكلمت واسترسلت وذكرت أمورا تفصيلية، فقد يسارع الزوج إلى طلاقها وهي لا تريد ذلك. ودلَّل الصائغ على إعطاء القضاء المرأة حقوقها القضائية بأن الأحكام الصادرة في قضايا الخلع في منطقة الرياض في عام 1428ه بلغت (55) قضية، وفي قضايا فسخ النكاح في نفس العام بلغت (1222) قضية، أما في منطقة مكةالمكرمة فقد بلغ عدد الأحكام في قضايا الخلع (655) قضية وقضايا فسخ النكاح (1585) قضية. وقال الصائغ: هذه الأرقام تعطي دلالة واضحة على أن القضاة في المحاكم أنصفوا المرأة ولم يتحيزوا ضدها، وإلا لما صدرت هذه الأحكام رغم حساسية قضايا الخلع والفسخ، لأنها غالبا ما تقع بعدم رضا الزوج مما يوغر صدره ضد زوجته وأهلها وضد القاضي مصدر الحكم. تأخير البت في القضايا ثم يتعرض الشيخ الصائغ للإشكال الثاني وهو التأخر في البت في القضايا الزوجية ويقول : هذا الأمر له وجهان: الأول: رغبة القاضي في التريث وعدم الاستعجال في إنهاء النزاع، ومحاولة التأجيل بغية الإصلاح، وإنهاء الأمر ودياً، وهدف القاضي مصلحة الأسرة والأولاد، أما إذا وجد أن هناك بغضاً وسوء معاشرة وظهر ذلك بين الزوجين، فإنه ينهي القضية ويحكم فيها خوفاً من تطور الأمور بين الطرفين. وكذلك قد يكون سبب التأخر في البت في القضايا قلة وسائل الإثبات خاصة في الأمور التي لا يطلع عليها أحد كطريقة المعاشرة بين الزوج وزوجته، وقد تدعي المرأة أن زوجها لا يصلي أبداً، ولا إثبات لديها على ذلك. الوجه الثاني: الاستعجال في البت في القضايا الزوجية خصوصاً إذا ساءت المعاشرة، وظهرت البغضاء بين الطرفين، خشية أن تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، فيأت الحكم في القضية لإنهاء النزاع بين الزوجين. العلماء والخلع وعن قضايا الخلع يقول الصائغ: في قضايا الخلع على القاضي أن يعمل بقرار هيئة كبار العلماء الذي ينص على أن يقوم القاضي بنصح الزوجة بالانقياد لزوجها، ثم يحاول الصلح بينهما، فإن لم يتحقق الصلح فعليه أن ينصح الزوج بمفارقة زوجته بالمعروف فان لم يستجب فإن القاضي يبعث حكمين لينظرا في شأن الزوجين ويقررا الأصلح، وبعد كل هذه المراحل يقرر القاضي ما يراه، ويأمر الزوج بمخالعة زوجته لعدم إمكانية العيش بينهما، ولحصول الكره والنفور. وإن أبى الزوج المخالعة، فإن القاضي يفسخ النكاح على العوض المسمى بينهما، وكل هذه المراحل تحتاج إلى وقت. بطاقة المرأة وفي ما يتعلق بعدم اعتداد القضاة ببطاقة المرأة قال الشيخ محمد الصائغ: هذا الإشكال وإن كان صحيحاً لا يعني أن القضاة يعترضون على استخراج البطاقة للمرأة ولكن الإشكال لدى المحاكم هو آلية التأكد أن حاملة البطاقة نفس صاحبة الدعوى حماية للمرأة، ومنعاً لانتحال شخصيتها، فيطلب معرفين بها تثبت معلوماتهم، حتى إذا ثبت التغرير بالمحكمة والتزوير على المرأة فإنهم محاسبون على ذلك. الحقوق القضائية للمرأة أورد الشيخ محمد الصائغ الكثير من النصوص الشرعية التي تساوى فيها الرجل بالمرأة، ومنها: حق التقاضي، حق رفع الشكاوى، تقديم الدعاوى لدى المحاكم للفصل فيها، وأن الإسلام علم المرأة كيف تطالب بحقها إذا وقع عليها الظلم أو التمييز. وعن حق المرأة في رفع الدعاوى القضائية بين الشرع أن هذا لا يعيبها أو ينتقص من قدرها أو يضر بأسرتها، بل على العكس فإن المرأة حينما ترفع الدعوى إلى القاضي فهي تبحث عن حقها الذي جاء به الشرع الحنيف وأكدته الأنظمة المرعية. وهي كذلك تبحث عن حل لمشكلتها، وإنهاء لصراعها، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول الله إن أبي - ونعم الأب هو- زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قالت: فجعل الأمر إليها، فقالت: إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء. ومن النصوص ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم. وكذلك للمرأة أن تكون وكيلة في الخصومة تماما مثل الرجل، ولا يضيرها ذلك وتترافع لدى القاضي، وتجيب عن الدعوى دون أن تخل طبيعتها. ويقول الشيخ عبد الله بن خنين: لا تشترط الذكورة في الوكالة بعامة، بل كل من صح تصرفه في شيء من ذكر أو أنثى جاز أن يتوكل عن غيره، فيما تدخله النيابة، إلا أن يحصل من المرأة فتنة بجمال أو منطق رخيم أو نحوه، فتمنع من مباشرة الخصومة أصلية أو وكيلة. ومن حق المرأة أن تدلي بشهادتها عند طلبها ولا يعيبها ذلك، وتفضل شهادة المرأة في الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، كأمور الحيض والنفاس والبكارة والرضاع، وحقها في الولاية على أموال أولادها القصر بعد وفاة والدهم، إذا لم يوص من يتولى عليهم، وحقها في الزواج من الكفء والنهي عن عضلها، وحقها في حضانة أولادها، وهي من أكثر الأمور التي تسأل عنها النساء اللاتي يلجأن إلى القضاة للحكم لهن بالتفريق بينهن وبين أزواجهن.