من غير المتنازع عليه نقديًّا أن رواية (دون كيشوت) للكاتب الإسباني سرفانتس هي من أعظم الروايات التي أخرجت للعالم، وإن اختلفت أسباب إعجاب هذا فيها أو ذاك. تبدو مقدمة جيدة تجعلني أفسّر سبب إعجابي بهذه الرواية من غير أن تطالني سيوف النقد، إنه سانشو يا سادة من جعلني بصفة سخصية أعتبر هذا المؤلف من أروع ما قرأت، وكلكم -أقصد مَن قرأ الرواية- يعرف أن سانشو ليس إلاّ صديق البطل دون كيشوت، الذي قضى عمره وهو يحارب طواحين الهواء، ويتخيّل أعداء لا وجود لهم، ويمارس الكر والفر ضد الأشجار، وخيالات المآتة، وحتى في وجه السراب. أما سر إعجابي بسانشو فهو الطريقة التي يتبع فيها أهواء سيده دون كيشوت، فهو يصدّق كل ما يقوله، مع أنه يرى بأم عينه السراب، ويسمع صوت الوهم، ويتلمس بيديه الزيف. وبرغم كل هذا يبقى منضويًا تحت لواء دون كيشوت، مثل كل الأوفياء الأغبياء. أكتب هذا، وأنا أتابع أخبار إحدى الدول العربية التي لن أذكر اسمها، عندما تحرّك فيها بعض قاداتها -قد يكونون رجال دين، أو ساسة، أو حتى شيوخ قبائل.. ومرة أخرى لن أذكر من هم- تحرّكوا فتحرّكت خلفهم مئات الألوف تصرخ، وتهتف، وتصفق، وتهلل، و...... . حقًّا ما أكثرها السانشوات في بلاد العرب!