تضاربت آراء العاملين في الحقل الدعوي حول "الفيس بوك"، خاصة بعد حجب بعض مواقع الدعاة ومن يطرحون قضايا ونقاشات يوضحون فيها موقف الإسلام، فهناك من رفض تماماً ال "الفيس بوك" واتهم الشبكة بأنها "صهيونية" وتقف خلفها أجهزة استخبارات عالمية، ولها مآرب أخرى. وبالمقابل دافع البعض الآخر بقوة على "الفيس بوك" وأكدوا على ضرورة المشاركة فيه، وأن إغلاق صفحات للبعض لا يبرر محاربته أو اتخاذ موقف معاد منه. وقد حذر علماء دين وخبراء إعلام واجتماع من خطورة هذا الموقع الذي زاد انتشاره خلال السنوات الماضية وكان سببا في كثير من المشاكل الاجتماعية في كثير من دول العالم، واصفين مثل هذه المواقع بالبذيئة لما تحتويه من أفعال وأقوال وعبارات غزل ونشر للشائعات، ويخشى العلماء من أن تؤدي مثل تلك المواقع التي تدار عبر الإنترنت إلى علاقات جنسية غير شرعية. خطر على الشباب يبتدر الدكتور عبد الله المنيع عضو هيئة كبار العلماء الحديث موضحاً أن هذه المواقع تمثل خطراً على شباب الأمة، وقال: الشر موجود وللأسف الشديد واسأل الله أن يكفينا شر هذه المواقع الالكترونية المتبادلة للتعارف.وأوضح المنيع أنه لا يوجد غير حل واحد وهو التقوى والصلاح والالتزام بالعفاف والكرامة و البعد عن أسباب الوقوع في الرذائل. وحول قيام بعض الشباب بالتعرف على بعض الفتيات والزواج منهن قال المنيع: الفتاة التي تتعرف على الشاب عبر الإنترنت لا تعرف عنه إلا أنه أسلوبي مثلها، وما دامت لا تعلم عنه شيئاً، فمن المفترض ألا تتعرف عليه إذا كان مقصدها الزواج إلا بعد معرفته ومعرفة سلوكه ومدى استقامته، فالمسألة ليست كلمات معسولة وميل من أحدهما تجاه الآخر. وحتى إذا تم الزواج عبر هذا الطريق فإنه سينتهي بطلاق سريع. وكان الدكتور عوض القرني قد لجأ إلى تكليف عدد من المحامين في أوروبا برفع دعوى ضد "الفيس بوك" بعد إغلاق صفحته دون أي إخطار أو إبداء للأسباب، مما اعتبره إساءة له، مطالبا بالاعتذار له شخصياً وإعادة صفحته، مؤكدا احترمه لنظام الشبكة، فإن الإعلامي سعيد الزهراني لجأ إلى فتح صفحة جديدة بمساعدة أصدقائه على "فيس بوك" بعد إغلاق صفحته التي وصل التفاعل فيها إلى درجة كبيرة ووجد تجاوباً كبيراً مع أطروحاته، على حد قوله، ولا يعرف الزهراني سبب إغلاق صفحته الأولى على الشبكة الاجتماعية. تحفظ بقوة أما الدكتور سعد بن مطر العتيبي الداعية والأستاذ بالمعهد العالي للقضاء فإنه يتحفظ بقوة على "الفيس بوك" ويرفض المشاركة فيه، مؤكداً أنه عبارة عن شبكة موجهة، يقوم عليها لوبي صهيوني يوجهها لأغراضه، ولا يستغرب من قيام القائمين عليها بحجب صفحات لبعض المفكرين والدعاة، أو حتى من يطرحون أفكاراً رصينة. وأكد العتيبي أنه حذر من خطورة هذه الشبكة وتوجهاتها، ومن يقفون وراءها، وقال إنه يفضل المدونات وله مدونة على الانترنت يضع فيها أبحاثه ودراساته ورؤاه ومقالاته، ويرى في "المدونة" أو الموقع الخاص الأفضلية على هذه الشبكة التي وصفها ب"المشبوهة". وبدوره يرى الشيخ بدر العامر الداعية والمستشار بوزارة الشؤون الإسلامية في "الفيس بوك" وسيلة جديدة ومهمة في التواصل، وعلينا استغلالها في توصيل رسالتنا الدعوية، وقال: فتحت صفحة على الشبكة الاجتماعية منذ ثلاثة شهور، ولدي أكثر من 250 إضافة لشخصيات مختلفة ويتم التواصل فيما بيننا، ونطرح رؤى نناقش قضايا مختلفة . وأقر العامر بسيطرة اليهود على الصفحة، وقال: أعلم أن هذه الشبكة يقوم عليها يهود، ولهم توجهاتهم، ولن اندهش أو أفاجأ إذا أغلقوا صفحتي كما فعلوا مع غيري، فهذا حق مالكي الشبكة، ولو كانت الشبكة إسلامية فإن من يقومون عليها سيتحكمون فيها بلا شك. قبول عام أما الدكتور محمد بن عبد الرحمن العمر أستاذ الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيرى في الشبكة الاجتماعية "فيس بوك" نافذة مهمة يطل عبرها الداعية والمفكر والباحث وصاحب الرسالة بصفة عامة على الآخرين، ويناقش ويتناقش معهم، ويضيف لهم، ويستمع لكل الآراء. وقال العمر: أنا مقتنع تماماً بوجودي على "فيس بوك"، وهذا ليس رأيي وحدي إنما هو رأي كثير من الأكاديميين والمفكرين وأصحاب الرأي. ذلك أن أي وسيلة لا تخلو من العيوب، وهناك مثالب في أي أداة من أدوات التوصيل، ولكن يبقى الهدف وتبقى النية التي يستحضرها الإنسان في أداء عمله، وإبلاغ رسالته. وأكد العمر على ضرورة وجود المسلمين خاصة أصحاب الفكر منهم على "الفيس بوك"، فهي وسيلة تعرض المفيد والجيد وتعرض أيضاً غيره. معرفة الدوافع أوضح الدكتور تركي سعيد باحشوان الكندي عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام في جامعة الملك سعود أن من أفضل الطرق لمنع الشباب من الدخول لهذه المواقع هو مخاطبتهم من نفس هذه المواقع، عن طريق إرسال رسائل بنفس الوسيلة التي يستخدمونها ويرتادونها، فنحن أمام ثورة عارمة والجميع مندفع نحوها من كبار وصغار ذكور وإناث. وقال الكندي: من الوسائل المهمة إدراك ماهية الدوافع التي جعلت الناس تندفع نحو هذه التقنيات حيث أنه وحسب توقعي أن الناس تبحث عن الشيء الجديد لما له من تأثير كبير فالصحافة التقليدية لا تحقق الطموح المطلوب بالنسبة للقراء مقارنة بالوسائل التقنية الحديثة. توجهات ذاتية من جهته أبان الدكتور هاني الغامدي المحلل النفسي ومستشار العلاقات الأسرية أن الانحراف السلوكي والفكري يختلفان من مجتمع إلى آخر كما يختلف الفكر والسلوك من فرد إلى فرد داخل نفس المجتمع. ويقول الغامدي: المواقع الموجودة على الانترنت والمخصصة للتعارف وتداول النقاش بين الناس هي من الأمور المحمودة، أما الخطأ والانحراف السلوكي فهو نتيجة يتحملها الشخص الذي لديه خلفية فكرية غير متزنة، فيستغل هذه الأدوات حسب أهوائه في ما لا يسمن ولا يغني من جوع من خلال تصرفاته وانحرافاته الفكرية والنفسية. وأضاف: المواقع الموجودة على الانترنت هي مجرد أدوات وطرق، وهي ليست سيئة بصورة مطلقة وليس كل ما يوجد فيها انحرافات، فهناك من يستفيد من هذه المواقع الموجودة، وهناك مواقع متعددة يستخدمها الكل حسب أهوائه وقد يكون استخداماً منحرفاً، والسبب الأساسي لذلك هو أن هؤلاء الأشخاص لديهم نقص ما واعتقاد بأن هذا التعارف يعطيهم الحق بإبراز (الأنا) الخاصة بهم وهذا تعبير عن النقص الذي عانوا منه في سنوات مضت. مسؤولية أسرية وبدوره يقول عبد الله باخشوين أستاذ علم اجتماع: الموضوع على درجة عالية من الأهمية والخطورة، وعندما نضع في الاعتبار أن الشاب أو الشابة الذي يدخل إلى هذه المواقع أو إلى غرف الشات يفتقد إلى الصداقة داخل الأسرة أو إلى الحوار مع أحد من أفراد الأسرة وبالتالي يلجأ إلى إيجاد وسائل أخرى حتى يتحاور مع الآخرين، وفي هذه المواقع يمكنه أن يناقش ويتحدث إلى الشباب والفتيات عن أي موضوع بدون أي قيود أو حدود، وأحياناً قد يدخل فيه بشخصية وهمية واسم مستعار وبالتالي من الممكن أن يتكلم كيفما شاء، والجانب الآخر من الممكن أن يُستغل وأن يتعرض للابتزاز من أطراف عدة، خاصةً إذا علم هؤلاء بنقاط ضعفه التي يمكنهم استغلاله عبرها. وختم باخشوين بالقول: المجتمع في هذا الزمن لم يعد كما كان عليه في السابق، حيث كان الشباب في الحارات يجلسون مع بعضهم ويتناقشون ويتحاورون وتجمعهم صداقات عديدة. أما في هذا الزمن فلا توجد مثل هذه الأشياء الجميلة. الكل أصبح مشغولاً في نفسه ويحيا في عالمه الافتراضي. وبدوره يقول الدكتور احمد طه النقر أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر إن هناك الكثير من المجتمعات خاصة الشباب يستخدم التطور التكنولوجي في أمور تضر بتعاليم الدين حيث نلاحظ أن هناك الكثير يستخدم تلك المواقع الاليكترونية ومنها الفيس بوك في أعمال منافية للدين من عبارات وألفاظ تخدش الحياء العام، مشيراً إلى أن هناك جهات خارجية تعمل على تدعيم تلك المواقع واستمرارها بهدف تدمير عقول الشباب، فهو وكر للجواسيس المتحركة، وقال إن خطر الفيس بوك مثل خطر الإدمان حيث يقضى الشباب أوقات طويلة أمام الانترنت من تواصل وتعارف وألعاب ورسائل ومتابعة قد تستمر إلى ما بعد نصف الليل وهناك الكثير من الشباب تم فصلهم من أعمالهم بسبب عدم الانتظام فى العمل والسبب تك المواقع. وقال النقر يجب على الحكومات العربية أن تحذر من تلك المواقع وأخطارها على المجتمع، وان تكون هناك طاعة من جانب الشعب لتلك التعليمات. نشر الجريمة وتؤكد الدكتورة عزة كريم الخبيرة بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن "الفيس بوك " أسهم في رفع معدلات الطلاق ليس على مستوى الوطن العربي الإسلامي بل على مستوى العالم،وقالت إن العديد من الأزواج يقولون في مذكرات الطلاق التي يتقدمون بها إنهم اكتشفوا خيانة الطرف الآخر عن طريق "الفيس بوك" حيث هناك واحدة من بين كل خمس حالات طلاق تعود أسبابها لاكتشاف قيام شريك الحياة ب "التواصل والدردشة "مع طرف آخر عبر تلك المواقع،موضحة أن تلك المواقع هدفها تفجير "الفوضى الخلاقة" في المنطقة العربية وصدام الحضارات بين الشرق والغرب،وتصعيد الحملات المسيئة إلى الإسلام ورموزه، وتفتيت المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وإضعافها وصولاً إلى المبتغى "المشبوه" وطالبت كريم بزيادة الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية في المنزل وعدم ترك الأطفال والشاب أمام تلك المواقع والتنبيه بخطرها، موضحة أن ظروف الحياة الاقتصادية الأسرية جعلت الأب والأم مشغولين وبعيدين عن تربية الأطفال مما ساعد ذلك على انتشار دور تلك المواقع،حيث هناك الكثير من الشباب يلجأ إلى السرقة من اجل التواجد في "كوفي شوب" والسهر أمام تلك المواقع منتهزاً فرصة عدم سؤال احد عليه.