لا شك أن السير الذاتية تمثّل أحد روافد التاريخ ومنابعه متى ما تخلّصت هذه السير من الشؤون الخاصة والشخصية البحتة، ومتى ما كان أصحابها منغمسين في الهم العام ومساهمين فيه بقدر يحفظ لهم سطورهم في كراسة التاريخ، ويضمن لهم حضورًا دائمًا في مشهد التمثّل لما أنجزوا، واستحضار صنيعهم في لحظة المذاكرة وتقليب صفحات الأيام.. ومن شأن هذه السير الذاتية أن تبلغ درجة عالية من الثقة والاطمئنان حين يتولّى كتابتها غير أصحابها، ويشهد على ما فيها ذوي الثقة من الأعلام والثقاة، فيطرحون أي شبهة للمحاباة والمجاملة التي ربما تصحب كتابة السير الذاتية.. فإذا ما بلغت السيرة الذاتية الغاية من الثقة، وقدّمت الشاهد على الحفاوة بها من منظور احتشادها بالإشارات اللامعة المبرقة، والتجارب الرائعة، والمواقف المشهودة، والإسهامات الكبيرة، حقّ عندئذٍ الاحتفاء بها، وتقديمها في كل محفل.. في ضوء هذه الرؤية جاء الاحتفال بتدشين كتاب «من أعلام الدعوة والفكر الإسلامي في القرنين الرابع والخامس عشر الهجري الدكتور عبدالله بن نصيف» الذي أعده الدكتور محمد تاج العروسي الأستاذ بالجامعة الإسلامية العالمية سابقًا، وذلك بحضور عدد كبير من الشخصيات على المستويين الإعلامي والاجتماعي في أحدية معالي الدكتور عبدالله بن عمر نصيف، فكل الشهادات التي قدمت حول الكتاب ذهبت إلى التقريظ والاحتفاء بما جاء فيه.. بين يدي الكتاب بداية الحفل شهدت قراءة مفصّلة لمحتوى الكتاب من قبل مؤلفه العروسي مع مشاركة بجهاز العرض، مبينًا فيها دوافعه من تأليف كتابه، مشيرًا إلى أنه يأتي ضمن سلسلة من الكتب عن علماء هذا العصر؛ قائلاً: عقدت العزم على الكتابة عن سيرتهم العطرة وجهودهم الطيبة في خدمة الدين رغبة في نشر مناقبهم وذكر مآثرهم وحفظًا لصنائعهم حتى لا تضيع ولا تُنسى؛ بل يقتفي أثرها ويستعان بها في المجالات المختلفة فمعرفة السيرة المستنيرة لعباد الله الصالحين تعين على الجد والاجتهاد في العمل وتنير لسالكها الطريق الصحيح.. وأضاف العروسي: فالكتاب عبارة عن السيرة الذاتية لمعالي الدكتور عبدالله بن نصيف، ونبذة عن أسرته الكريمة ووالديه وجده، وفيه دراسة مستفيضة عن تجاربه المتنوعة في ميدان التعليم والتربية والعمل الإسلامي والدعوي من خلال تولّيه مناصب مختلفة في مجالات عديدة ومشاركاته في المؤتمرات والندوات التي تعقد داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.. وكان من ضمن الأمور المحفزة للكتابة عن الدكتور نصيف هي إسهاماته الفعالة في تأسيس المؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية وعضويته في عدد من الهيئات الإسلامية العالمية والجمعيات الخيرية داخل المملكة وخارجها، وترؤسه كذلك لعدد من مجالس الجمعيات والهيئات والمراكز، ترك في ذلك كله بصمات تحمل أسلوبه وفكره. صفات نادرة عقب هذه الكلمة شارك الحضور بمداخلات أثرت الأمسية، استهلها الدكتور عبدالله بن بيّة بحديث عن الدكتور ابن نصيف قائلاً: لا يسع المجال الآن للحديث عن الدكتور عبدالله بن نصيف فهو بحر من بحور العلم والمعرفة؛ وأقول باختصار إن من الصفات النادرة في هذا الرجل هو الحب والتقدير الذي يوليه والحب والتقدير نادرًا ما تجدها، وبالنسبة لهذا الرجل الذي عاشرته اكتشفت فيه صفات وأخلاقًا كبيرة يحملها، وأيضًا من النادر جدًا أن تجد ذلك التواضع الذي يحمله الدكتور نصيف في أي شخص؛ فهو رجل يستحق أن يكتب عنه مؤلفات.. وأسأل الله له التوفيق.. مواقف لا تُنسى وعلى ذات المساق يذهب معالي الدكتور محمد عبده يماني للقول: نكرم في هذه الليلة المباركة رجلاً من الرجال المخلصين. والحقيقة أنني منذ دخلت الليلة وأنا ألاحظ أن الأحدية هذه مختلفة باختلاف المناسبة، ففي هذه الليلة نكرّم رجلاً ممّن يألّف الحب والتواضع، وهو صديق دراسة وعمل ودعوة، والذي يعنيني حقيقةً تفكير الناس بالرِجال، والدكتور عبدالله نصيف رجل على خلق رفيع.. وأشار يماني أن الدكتور نصيف قليل من الناس تعرف بأنه صناعة امرأة، فأمه ربّته وربتنا؛ معه، وهي امرأة وقورة تقية دعوية، أحسنت تربيته، فأخرجت لنا هذا الرجل الطيّب، والدكتور نصيف يقنعك بصحبته، فهو صديق لا ترهقك صحبته، ومن أمتع الأيام هي التي عشتها معه في الجامعة فكانت لنا مواقف عديدة لا تُنسى أبدًا، فهو على خُلق، وفيه سمات التواضع بشكل كبير وواضح، وهو من الذين يحرصون على صحبة العلماء، وأنا فخور هذه الليلة بالمشاركة في تكريمه. سيرة كاملة أمّا الدكتور عبدالمحسن القحطاني فتداخل بقوله: هذه الليلة لن أزيد على ما قاله الإخوة، وما سيقوله الذين يعرفون الدكتور نصيف؛ ولكن سأتحدث عن سيرته الذاتية والغيرية، فلو أخذنا الكتاب، ورأينا ما قاله الدكتور نصيف فسنرى جزءًا صغيرًا من سيرته الطيبة، فهو لم يكذب، وأرجوه أن يكتب سيرته الذاتية كاملة.. فإن ممّا يبهج الخاطر ويبعث السرور أن يهيئ الله من ذوي الهمّة العالية مَن يبذل جهده ويصرف وقته في تدوين سير الأعلام، ورصد فضائل الأكابر، ليحكي تاريخهم، ويبرز محاسنهم، ويحيي ذكرهم، ويغوص في بحار عطائهم، ويبحث في زوايا إنجازاتهم ليستلهم منها عمق التجربة، وصدق العمل، ووافر العطاء، وروعة الإنجاز. وسطية وتوازن الدكتور حامد الرفاعي قال في مداخلته: شهادتي في أبي عمر مجروحة؛ ولكنها اليوم مرجوحة. فأنا أمام سيرة رجل، ونهجه مسؤول، وخصائص داعية؛ فهو ليس مستثنى من الناس، ولكنه عالم دين أمسك الكثير من الأمور بالوسطية، وهو رجل متوازن بعلاقاته وتعاملاته، وفي دعوته وهو ما أرشدنا إليه الإسلام، فكان خير شاهد على سيرنا الحضاري الإسلامي، وله في نفسي الكثير من الحب والتقدير، وأنا في هذه اللقاء أقول إن الدكتور نصيف فيه عيب واحد، وهو عيب استثنائي، وهو حب الخير، والسعي الدائم الدؤوب لفعل الخير الذي لا يتوانى في عمله مهما كانت الظروف. شخصية متعبة وكان لمدير الشؤون الاجتماعية سابقًا الأستاذ طيّب كلمة قال فيها: ماذا عساني أن أقول عن نصيف؛ فهو من الشخصيات التي أتعبتني إلى جانب الدكتور محمد عبده يماني. فهاتان الشخصيتان هما أكثر مَن أتعبني، فقد تعلّمت من الدكتور نصيف الكثير من الصفات الحميدة، ومنها كيفية الحفاظ على النعمة، وتظل سيرته تزهو بالخير وتتدفّق بالعطاء، فهو مدرسة يتعلّم منها روّاد العلم، ويتزوّد منها أصحاب الهمم، وهي حياة عطرة تجد في رجلها عبق الإبداع، وأصالة المبدأ، وروح السمو والرفعة.