أهمية الوقت أكد عليها ديننا الحنيف باعتباره عمر الإنسان الذي سيسأل فيما أفناه، وما أكثر ما قيل في الوقت من حكم وأمثال وقواعد نجاح أو فشل استخلصها حكماء وخبراء ومفكرون، ولكن كثيرا ما يحدث العكس في حياتنا اليومية وعاداتنا ومناسباتنا الاجتماعية وأشغالنا من عمل واجتماعات . الوقت في حياتنا هو بكل أسف أرخص شيء، بينما شعوب أخرى أدركت قيمته واستثمرته بأفضل السبل وأكثر مما نتخيل إن كان في الأسرة أو التعليم لديهم وفي العمل والأبحاث والإنتاج وحتى في الترفيه لا يضيعون ساعات وأيام إجازاتهم، في الوقت الذي تتفشى فيه لدينا ثقافة معاكسة تماما : كيف نرتاح ونريح دماغنا ؟وكيف نحصل على إجازة عارضة أو اضطرارية ؟ وكيف نستأذن ؟ ولماذا لانتأخر عن موعد الدوام ؟ وهناك من يجيد فن التزويغ قبل انتهاء العمل، وظهرت طرق وحيل لإهدار الوقت بدلا من حسن إدارته . والآن مع نماذج من واقعنا اليومي لعلنا نجد تغييرا وإصلاحا في هذه القضية المتغلغلة : خذوا مثلا عند عقد اجتماع هناك من يتأخر لعشرات الدقائق دون اكتراث بمن حضر في موعده واحترم الوقت، خاصة وأن أي اجتماع قد يضم مسؤولين عن إدارات وأقسام ولديهم مهام ومعاملات ومواعيد تنتظرهم لا يحبون مخالفتها وتعطيلها، وهناك اجتماعات يأتيها الأعضاء من مناطق مختلفة إن كانت في المدينة نفسها أو من خارجها وربما يرتبطون بمواعيد سفر مجدولة تضيع عليهم إذا تأخروا، وتكرار هذه الظاهرة يجعل الجميع بكل أسف يعتاد على ذلك، وأبسط شيء أن كل واحد يقول: «ولماذا أذهب في موعدي ورئيسي يتأخر أو الاجتماع لن يتم في موعده» . هذا الاستهتار نجد عدواه وقد انتقلت إلى جهات خدمية لا تحترم مواعيد المراجعين وأخرى في مجال نقل الركاب تضرب بأوقات المسافرين عرض الحائط وتضيع عليهم وقتهم وارتباطاتهم، والأمر لا يكلف هؤلاء سوى كلمة اعتذار إن قالوها . وفي حياتنا الاجتماعية أصبح إهدار الوقت وعدم احترامه شيئا معتادا، كما أن أفراحنا ومناسباتنا أكبر دليل على أن الوقت لا قيمة له على الإطلاق وأكبر دليل على أننا نصنع العادات السلبية ولا نفكر في عواقبها، فالفرح ينتهي مع منتصف الليل أو بعده لأننا اعتدنا على أن يكون العشاء متأخرا، وإذا كان بعض المعازيم يحبون السهر ولا ارتباطات لديهم في الليلة نفسها أو اليوم التالي فإن هناك كباراً في السن ومن لديه مرض مزمن يستوجب مواعيد للدواء، فإذا تأخر وضع العشاء قد تصيبه غيبوبة السكر وهذا معروف طبيا وقد حدث أمامي أكثر من حالة، كما أن كل إنسان لديه ارتباط إن كان تجاه عمله أو مدارس أبنائه أو حتى يوم إجازته . أليس من الأفضل والمفيد مراعاة مصالح الجميع بأن تكون مناسباتنا وعزايمنا العامة في الأفراح أو العائلية في البيت في مواعيد مبكرة وتنتهي بعد صلاة العشاء بساعة أو ساعتين على أكثر تقدير، وكل واحد يرجع لبيته وارتباطاته، ونرحم أصحاب المناسبة الذين يتواجدون قبل وصول أول المدعوين وبعد توديع آخرهم وإجراءات الفرح اللاحقة، بدلا من منتصف الليل، ناهيك عن حفلات النساء وتأخيرها إلى مطلع الفجر مما يسبب إرهاقا وتعبا غير عادي. فإذا كنا كمسلمين نحترم العبادات في أوقات الصلاة والزكاة والصوم فلماذا لا نطبق ذلك في حياتنا اليومية خاصة وأن السفر يلزم كل إنسان باحترام الوقت والتوجه للمطار قبل الرحلة بوقت كافٍ حتى لا تضيع عليه، فلماذا هذا الإهدار للوقت بالجملة في مناسبة واحدة ؟. إن الخطورة من إهدار الوقت ليست فقط في اللحظة نفسها وإنما على المدى البعيد في تكريس ثقافة سلبية لدى أجيال،إن كان لدى الأبناء أو جيلا بعد جيل من الدارسين والموظفين الذين يتشربون هذه العادات السلبية في إهدار الوقت ومخالفة المواعيد بدلا من احترامهم، والنتيجة على المستوى الشخصي أو العام خطيرة .ولو سألنا طالبا صغيرا في دولة متقدمة عن نظام حياته وأهمية الوقت لديه، وكيف يمضيه وما يجنيه منه؟ لقال لنا ما يخجلنا في سوء إدارة الوقت كبارا وصغارا !.