وأنت بين سندان “المرض”.. ومطرقة “الجحود”.. تغزل الصبر لتلتحفه ويلتحفك ليسترك.. تحدّق بأعين مرهقة لزوايا غرفتك.. تهرب قدر إمكان المكان من لدغ عقرب ساعتك إلى مخيلتك الأرحب والأصدق الأقرب، فتعيد ترتيب زوارًا لم يأتوا بعد، أدرك أنك ستجمّل ما استطعت صورهم فتقول لو أن صديقي العزيز فلان يجلس على طرف السرير، وفلان يجلس بالطرف الآخر، وفلان هناك حتى يثقل بهم السرير، سيلفح سؤالك وجوههم، وأنت تسألهم بإلحاح المحب عن أحوالهم، وستسحب رجليك لتنكمش كلما تنحنح زائر منهم ليتسع سريرك لمن “تمنيت” ولم يأتوا!. وكأنني بك تتمنى في ذات الخيال/ المكان/ الزمان.. توافدًا أكثر لأصدقاء أكثر.. وزملاء أكثر.. لتزدحم غرفتك، وبتناغم فريد ينوء من ثقل القرب الحميم سريرك، إنها ستكون أعلى نسبة “إنسانية” تُسجل منذ 30 عامًا مضت!. ما أرحم خيالك بك.. بحالاتك.. بقلقك.. بصمتك القابض الفكين على ألم يليق بك وبعزلتك المفروضة على بوابة غرفتك!. وما أكرم هذا “الصبر” وذاك “المنى” الذي يلعق جراحاتك بابتسام يعذر الغياب.. ومن أغلق عليك.. بوجهك ألف باب!.. لا تحزن.. متى أطلق الواقع بين لحظة فرح وأخرى “رصاصة” تغتال بهجتك إن فتحت عينيك “صحوا” الخيال ولم تجد من صفوة زوار ذاكرتك أحد، وأن غرفتك الكئيبة الرتيبة لم تزدحم إلاّ بك وبضجيج لذيذ احتضنته ذاتك، وإن سريرك لم يثقل بأحد غيرك، والمرض الذي يدمي خاطرك ويؤلم “خضرمتك وكبر سنك”. لا تحزن.. وأنت تعيد ترتيب أسماء تحضرك ولا تحضرها، وتجر على مهل المحب الصابر “وجوهًا” زاملتها و (وجوهًا) سايرتها وتقلّب صفحات الذكريات لسنوات ماضيات حافلة بالنجاح والتضحيات ومثابرة الصابرين، وتمثيل الوطن في المحافل وتتويج منصات الكفاح. لا تحزن.. وأنت تُصفع كل يوم بتذكير خاص “لحجزك” في الغرفة ذاتها.. والسرير ذاته.. لعدم قدرتك على دفع “ثمن علاجك”!. لأنك إن حزنت، وأنت الأقرب إليه، سيسافر الحزن في أوردتك ليعبرك جزءًا جزءًا حتى أخمص قدميك.. وسيهزمك ويقهرك في غفلة “الأصدقاء والزملاء”.. سيملأ ذاكرتك صورًا وحكايات من طاولوا نخيل ذاكرتك وكانوا ذات يوم الأكثر قربًا منك والأعمق حسًّا وشعورًا بك أكثر منك، لا يحزنك أن تراهم آنذاك قامة قامة، وهامة هامة، يتساقطون كأوراق الخريف. لا تحزن.. لأنك إن حزنت أعلنت سطو الألم، وجحود ساحاتك، وتقاعس من أحببت، وخيّم عليك كذب الوجوه، وزيف المنابر والمحافل والحناجر.. سيحيل حزنك إن حزنت آمال ذاتك “مقطوعة لحن حزينة” تقتات ناي فؤادك. فأبقِ فؤادك ما استطعت آنية النقاء الملثم صبرًا أبيًّا تقيًّا.. رتّب مقاعد الغائبين في خاطرك وأغمر حياتك “خضرمة” في فرحتك.. في أزمتك، وأحفظ لحزن الناي عشقك الأخضر ونوتته المرصعة بمواسم العمر، وبقايا من خطابات الثناء والتقدير. وأبقِ لقلبك حفنة من يقين تدرك بها أن “ألف ثواب عبيد وثواب” قبلك دلقوا رحيق العمر الجميل، وتناوبوا جيلاً بعد جيل يشيدون بذات الصدق وذات الوفاء والعشق صروح البناء “ثقافة”، ويغسلون بذات الكد عن روح التراث الغبار.. ألف رجل ورجل يشبهك.. مرّوا يضيئون الوطن عشقًا أصيل التفاصيل، وأشعلوا لعقولنا.. لحضورنا.. أصابع الشمع المستحيل، وتدرجوا على ذات اليقين آمنين “غدر الظروف وطحن السنين”، وأنهم طعنوا.. وطحنوا.. وسجنوا.. وجاعوا.. ومرضوا أجمعين! فألف ثواب قبلك وثواب “بصقت” على تاريخهم ساحاتهم، وقذفت بهم في “سلة المهملين المخضرمين”.. لم يدركوا أن ساحات الثقافة والفن والصحافة متناقضة.. وناكرة متناكرة.. تفتقر ل “المنصفين”.. المجد فيها لمن ترى، أو قد ترى “زمرة متحاسدة”.. وتلك أخرى “حاقدة”.. وشلة متأرجحة ومتعلقة بهمومها ضاعت خطوات يومها بين الصراحة واليقين. أين لك يا سيدي صوت وعين؟ والأكثرية آذانهم طين وأخرى من عجين، وعيونهم كي لا ترى تلويحكم عين على وقع الخطأ والثانية تفانيه في ركضها للمعجبين.. ساحتك يا سيدي ناقوسها لا ينطلق إلاّ لدفن الراحلين!. فابتسم وأهنأ لأنك، رغم قبح الواقعة والحقيقة الناصعة، باقيًا هرمًا ورمزًا من رموز الوطن وثقافته وفنه وتراث أرضه.. باقيًا أنت كوسام شرف من ذهب على صدر “فرقة الإذاعة والتلفزيون”.. تزفك أعين الصادقين “أستاذًا مخضرمًا”. وبرغم منفى غرفتك، والمرض، والجاحدين.. تبقى أهلاً للوفاء.. وللأضواء.. والتصفيق والتكريم والتقدير.. وسنردد اسمك فخرًا ما حيينا وما حييت. ونسأل الله لك في كل لحظة شفاء.. وفرجًا قريبًا.. لتخرج لأهلك.. لأبنائك.. ولمن أحبك يا “ثواب عبيد”.