تعدد الزوجات أمر مشروع في ديننا الإسلامي، ولكن هناك دعاوى ترفضه وتراه ظلما للمرأة، وتلقفت النساء تلك الدعوة وأصبحن يَتنادين فيما بينهن إلى نبذ التعدد ورفض الرجل المُعدد لأن في ذلك ظلما للزوجة الأولى! إضافة إلى أن المنظمات الحقوقية دخلت في الموضوع مؤيدة لنبذ التعدد بدعوى أن فيه إساءة لكرامة المرأة المسلمة، وبين هذا وذاك لابد من طرح القضية اجتماعياً فهل صحيح ما يتردد بأن التعدد ظلم؟ وما أبرز ايجابياته وسلبياته؟ وما هي الشروط التي يجب توافرها في الرجل المُعدد؟ وغيرها من الأسئلة في مضابط هذا التحقيق: حل ضروري بدايةً تؤكد الدكتورة سلمى محروس سيبيه المستشارة الأسرية والتربوية في حديثها مع "الرسالة" أن التعدد مباح في كل التشريعات السماوية فتقول: هذا الخيار أباحه المولى عز وجل ولم ينزل تشريع سماوي يمنع تعدد الزوجات في الإسرائيلية أو المسيحية ولا يمكن أن يبيح المولى أمراً فيه ظلم لأحد لأنه حرم الظلم على نفسه. وتسترسل سيبيه فتقول: التعدد هو حل متميز للعديد من الحالات الطارئة مثل كثرة المشاكل بين الزوجين، ومرض الزوجة وعقمها ويباح للرجل أن يعدِّد إذا كان كثير الشهوة والزوجة الواحدة لا تستطيع تلبية احتياجاته لأن في ذلك غض للبصر وحفظ للأعراض وتأديب للزوجة سيئة الخلق وفي حالة كثرة عدد النساء بسبب الحروب وغيرها، وأيضا من ايجابياته حل مشكلة العنوسة والمطلقات والأرامل في مجتمعنا، ولا أرى في الشرع سلبية ولكن السلبية في رجل يظلم إحدى زوجاته أو أطفاله. تأثير الدراما وتُشدد سيبيه على أن الإعلام أثر في تغيير النظرة للتعدد عن طريق المسلسلات المناهضة له ولرغبة بعض الرجال في عدم تحمل مسؤولية بيتين ولكثرة تكاليف الحياة ولأن تربية الأبناء الآن تتطلب مجهوداً كبير وناحية مالية فوجود أكثر من زوجة يعني كثرة الأبناء والتفريط في حقوقهم ولأن أدوار الرجل اختلفت فسابقاً كان يتولى رعاية شؤون منزليه من حيث توفير احتياجاته والنواحي المادية والآن أصبحت الزوجة هي من يتولى شراء المستلزمات والمساهمة المالية فأصبحت شريكة له وليست مجرد تابع. كما أن التعدد بات يتأثر بالأنظمة الحقوقية ولا بأس في ذلك في حدود ضيقة، أن الرجل الراغب في التعدد طلب منه نظاماً أن يقدم طلبا ويذكر فيه قدرته المالية والجسمية وحاجته لذلك بالدليل والبرهان، فإن في ذلك مدعاة لتحقيق العدل وهو المطلب الشرعي لإباحة التعدد، ليس ظلماً من جهةٍ أخرى ينفى الأستاذ عثمان رمضان مدير الأوقاف بجدة والمدير السابق لجمعية الزواج وقوع أي ظلم على المرأة: تعدد الزوجات ليس ظلماً على المرأة، ولو كان كذلك لما شرعه الله ولما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام. ويسرد رمضان ايجابيات التعدد فيقول أن منها كثرة النسل فقد قال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". وكذلك القضاء على العنوسة فقد يكثر عدد النساء بالنسبة للرجال ولا يمكن إعفاف النساء حينها إلا بالتعدد، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه في آخر الزمان يكون لخمسين امرأة قيم واحد، ويحصل ذلك كثيراً أثناء الحروب. إضافة إلى تزويج المطلقات والأرامل والعوانس، حيث قد لا يقبل على الزواج منهن العزاب من الرجال. وأخيراً الاستقرار النفسي والعاطفي الذي يجده بعض المعددين عند الزوجة الثانية بعد أن كان يفقده في الزيجة الأولى. وبالمقابل يحدد رمضان بعض سلبيات التعدد بقوله: من أبرز سلبيات التعدد: عدم عدل بعض الرجال بين زوجاتهم. والنفور الشديد من قبل الزوجة الأولى وخروجها من بيت الزوجية وإصرارها على طلب الطلاق لعدم قبولها العيش مع أخرى. وإقدام بعض غير القادرين مادياً من الرجال على التعدد، وعدم قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية لبيت الزوجية، ومن ذلك إسكان الزوجتين في بيت واحد مما يولد مشكلات لا تنتهي. وعدم الاستعداد النفسي والاجتماعي لبعض المعددين مما يربك حياته الاجتماعية بعد التعدد. والشقاق والنزاع المتواصل في كثير من الأحيان بين الزوجات وربما بين أولاد الزوجات أو بين الزوجة وأولاد الزوجة الأخرى. شروط المعدد ويُوضح رمضان شروط الرجل المعدد فيقول: ليس كل رجل يستطيع أن تكون له أكثر من زوجة، وهناك شروط للرجل المعدد، منها أن يكون مقتدر مالياً. وأن يستطيع تحمل المسؤولية. وأن يعدل بين زوجاته. وأن يكون مهيئاً نفسياً واجتماعياً. وأن يكون حكيماً في تعامله مع المواقف الحرجة وخاصة في تجاوز زوجته الأولى لمحنتها الكبيرة بزواجه عليها. تجاوز على الشريعة ويُشارك الأستاذ ياسر بن أحمد الشجار المستشار والمدرب الأسري برأيه فيقول: من وجهة نظري أن ربط تعدد الزوجات بصفة (الظلم) تجاوز على الشريعة الإسلامية، وبما أن الظلم أمرٌ قهري يشمل كل المعاملات الدنيوية فالمظلوم غير مخير فيه، أما بالنسبة للتعدد هنا فالأمر مختلف تماماً لأن المرأة مخيرة وأمرها ما زال بيدها من حيث قبوله أو رفضه، فبقبولها اختارت وسارت القافلة وانتفى عنها الظلم المزعوم، وبرفضها كذلك اختارت وقررت مصيرها مع زوجها فهي غير مكرهة على الاستمرار في عش الزوجية كما أن التعدد لم يؤثر على حرية الزوجة فبيدها تغيير الواقع لصالحها سواء بالاستمرار أو بالطلاق أو بالخلع إن أبى الزوج تطليقها. إيجابيات وسلبيات ويسترسل الشجار موضحاً ايجابيات التعدد وسلبياته بقوله: وكل شيء في الوجود له إيجابيات وسلبيات باختلاف تعاملات البشر ونفسياتهم وأخلاقهم ولا شك أن التعدد له إيجابيات قد ضمنها الشارع الحكيم ومنها: حفظ الغرائز من الانحراف والزلل. وفسح المجال للتعارف بين القبائل والأسر، وكسب الذرية ونجابة الأبناء من عدة زوجات، ومعالجة العنوسة المتفشية هذه الأيام. وكذلك لا يخلو من سلبيات في حال لم يكن المعدد مؤهلاً، ومنها: إهمال الزوجة الأولى بشكل نسبي وخاصة عاطفيا. وإهمال الأبناء في حال الانشغال عن المتابعة لشؤون الأسرة، وإهمال أمور المعيشة مع أن غالب المعددين مقتدرين مادياً. ومع ذلك فمن وجهة نظري فالسلبيات قد تكون ضيقة لأبعد الحدود بحيث لا تتجاوز نفسية الزوجة الأولى وعاطفتها بكون أن هناك شريك لها في زوجها وإن تجاوزت إلى الأبناء فهذا راجع أيضا لسوء تعامل الزوجة مع زوجها بعد التعدد بسوء المقابلة أو المعاشرة مع العلم أنها لابد أن تكسبه أكثر في هذه الحالة وخاصة بعد أن تنازلت عن حقها في الانفصال بحجة الأبناء وهذا معروف منها لا بد أن تتمه بأكمل وجه حتى لا تتغير نيتها تجاه أبنائها. التعدد وحقوق المرأة ويُشدد الشجار أن التعدد قد تأثر بالأنظمة الحقوقية موضحا السبب بقوله: بلا شك تأثر وخصوصا بعد ما جرت كثير من النساء العاملات وراء حقوقهن المهدورة بزعم ما يواجهنه من ظلم وتحيز. وينسب الشجار مسؤولية الإساءة إلى التعدد لتأثير الإعلام الموجه ضد الإسلام والمسلمين واتهامهم بأنهم يبحثون عن غرائزهم فقط ويهملون نسائهم مع أن الواقع الغربي المرير يكشف احتقارهم للمرأة. وكذلك هناك مسؤولية على عاتق المعددين أنفسهم وأعني المسيئين للتعدد بجهلهم وفحولتهم الزائفة وهذا جانب لا يُغفل أبدا، لأن الأهلية في التعدد مطلوبة فالله جل وعلا يقول (وإن خفتم...) الآية، فاللبيب لا يقدم إلا إن تأكد من قدرته الفعلية على تحمل المسؤولية. وختم حديثه الشجار بتوضيح ثلاث جوانب هامة في الحياة الزوجية فقال: الحياة الزوجية في نظري تمر بثلاث مراحل هامة:1 هي التوافق: سواء كان فسيولوجيا أو بيولوجيا وما يسمى التوافق الكامل. وجانب الاحتياجات والرغبات: وهذا يتوقف على كلا الطرفين وستطرأ فكرة صراع التعدد هنا ما بين الرغبة والمقدرة. وجانب التضحية: وهنا إما أن يضحي الرجل ويصبر، وإما أن يعدد وتصبر المرأة على ذلك لتسير القافلة، ولا أغفل جانباً مهماً جداً لا بد أن نتذكره دائما وهو أن هذا الخيار تشريع أباحه الله تعالى لعدم الوقوع في الكبائر وتجنب ما حرم الله فقبوله حتمي ومن اعترض عليه أو كرهه أخشى أن ينطبق عليه قوله تعالى (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).