قبل أكثر مِن 15 سنة كتبتُ مقالاً لغويًّا، مفاده أنَّ كلمة مَطَر في كُلِّ السّياقات القرآنيّة؛ لم تَرد إلَّا في سياق العقوبة والعذاب.. وهذا ما حصل على جُدَّة -حفظها الله مِن كُلِّ طوفان-.. أكثر مِن ذلك كُلَّما جاء موعد أي صلاة استسقاء، أُكثر مِن قول «آمين» عندما يقول الدَّاعي: (اللَّهم على بطون الأودية ومنابت الشجر.. اللهم اجعله نافعاً غير ضار).. ولكن أين تذهب السّيول وقد استُولي على بطون الأودية ومنابت الشَّجر.. وذهبت منحاً وتطبيقات لهذا «المُتنفِّذ» أو ذاك.. لتُصبح جُدَّة ميدانًا للتَّعب والفساد والمعاناة؟!.. ولا تستغرب أن يخرج كِتاب بعنوان: (إعداد العُدَّة فيما تَعَرَّضَت له جُدَّة مِن المصاعب والحِدَّة)..! أتذكَّر ونحن في الطّفولة؛ كُنَّا نُردِّد كلاماً ظننَّاه شتماً لجُدَّة، ولكن الأيَّام أثبتت أنَّه أروع ما قِيل في هذه المدينة الفاتنة، التي اشتعل رأسها شيباً، مِن الوعود العرقوبيّة الكاذبة..! حسناً يقول هذا الأعرابي الذي دخل جُدَّة فلم يَطب له فيها المقام: جِعْل «المطر» ما يجي جدة لو ربّعت كل الأوطاني ديرة «مجانين» ومصدة ما هي للأجواد مسكاني.. فعلاً: إنَّها كسرة ينبعاويّة، لم تكسر ظهر جُدَّة.. بل إنَّها حاولت أن تحمي جُدَّة مِن «المطر»، الذي لا يرد إلَّا في سياق العذاب، ومِن هنا يحسن بنا أن نقتدي بالأثر النبوي القائل: «اللهم ارزقنا الغيث ولا تجعلنا مِن القانطين»! ولكن بعد كُلّ هذا.. ماذا يريد أن يقول هذا المقال؟!.. إنَّه يقول بعد «فاجعة السّيول»، ليس مِن المعقول أن تُلقى المسؤوليّة على جهة واحدة؛ في قضيّة شائكة مُنحدرة مِن سنين، وعويصة وعشوائيّة كعشوائيّة جنوب جُدَّة.. ومِن غير المعقول أن تتحمَّل جهة واحدة قضيّة تصريف السّيول.. وهي تدخل في صميم عمل عدَّة جهات مثل: الأمانة، ومصلحة الصَّرف الصّحي، وصحّة البيئة.. كيف يُمكن أن نُحاسب المسؤول الحالي، وننسى المسؤول الذي ولّى الدّبر.. وخلّف لنا مثل هذه الأوضاع المتردِّية! وفي نظر الحبر.. القضيّة مُعقَّدة، وتشترك فيها عدَّة جهات، ولكن الواضح والصَّريح، أنَّ المحاسبة السَّريعة يجب أن تتّجه إلى صحّة الخبر؛ الذي نشرته جريدة «الحياة» -أمس الأول-، على لسان الخبير في شؤون المياه، المهندس «محمد حبيب البخاري»، الذي يقول فيه: (إنَّ هيئة الأرصاد وحماية البيئة، حذَّرت منذ الشّهر الماضي، مِن سيول أمطار تشرين الثَّاني «نوفمبر»، إذ أرسلت بيانها إلى كُلِّ القطاعات الحكوميّة، خصوصاً أمانة جدَّة، حتى تستعد لمواجهة الأمطار الغزيرة وسيولها).. وأضاف المهندس «البخاري»: (إن مدينة جدَّة يخترقها 16 وادياً مِن الشَّرق إلى الغرب، في حين أنَّ أمانة جدَّة عمدت إلى إغلاق مجرى السّيل)! وبعد.. ماذا بقي..؟! بقي القول: إنَّ صلاة «الاستسقاء» يجب أن يتبعها دعاء «الاستشفاط»، المتمثِّل في: (اللَّهم اجعل الغيث في بطون الأودية ومنابت الشَّجر)، طالما أنَّ السّيول تُؤدِّي إلى الحُفَر، وهلاك البَشَر، ولا تُبقي ولا تذر، وتُدمِّر مُمتلكات البدو والحَضَر، خاصَّة أحياء أهل الفَقْر، أولئك الذين يجلسون في منازلهم؛ ليَغرقوا في شبر مِن المَطَر، ولا يحميهم إلَّا لُطف الله -جلَّ وعزّ-، ومُرسل المَطَر، والمُتصرِّف بالقضاء والقَدَر!.