الحمد لله رب العالمين، الذي سلّم حجاج بيت الله الحرام، وجعلهم يشهدون يوم الحج الأكبر دون حوادث تُذكر، هذا اليوم الذي جعله الله -عز وجل- عيدًا للمسلمين حجاجًا ومقيمين، بعد أن وقف الحجيج بعرفات، وباتوا بمزدلفة، وانتظم عقدهم على صعيد منى لرمي الجمرة الكبرى -جمرة العقبة- بسبع حصيّات متعاقبات، استنانًا بسنّة نبينا عليه الصلاة والسلام، ملبّين ومهلّلين ومكبّرين وحامدين، تلهج ألسنتهم بالدعاء ضمن رحلة الإيمان الخالدة التي لم تنقطع على مر السنين، منذ أن جاء أمر الله تعالى لنبيه ورسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عميق). هذه الرحلة المفعمة بأجواء الإيمان، يستشعر فيها المسلم أسمى المشاعر الروحانية وأحلاها، في تلك الأيام القليلة في عددها، الكبيرة في معناها وأجرها الذي يصل إلى حد العتق من النار للحج المبرور الذي هو غاية كل مسلم، ومبتغى كل حاج جاء إلى هذه الديار المقدسة، قاصدًا وجه الله تعالى، ورضاه، ورحمته، ولا شيء غير ذلك يخرج الحج عن مضمونه المعروف. في هذا اليوم العظيم يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح الأضاحي اتّباعا لسنة الخليلين إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، فقد أمر الله خليله إبراهيم بذبح ابنه وفلذة كبده، فامتثل وسلّم، ولكن الله سبحانه وتعالى فداه بذبحٍ عظيم، فكانت سنّة جارية، وشرعة سارية عملها نبينا صلى الله عليه وسلم، ورغّب فيها عندما ضحّى في حجة الوداع بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيديه الكريمتين وسمّى وكبّر. كما كان المشهد يوم قال إبراهيم الخليل لابنه إسماعيل عليهما السلام: «إني أرى في المنام أني أذبحك»، ويوم كان الرد إيمانًا وتوكلاً وتضحيةً وصبرًا: «يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين»، فكان أن «وفديناه بذبحٍ عظيم»، فعلى ملّة إبراهيم حنيفًا، كلّ عام وأمتنا الإسلامية بخير. وهنيئًا لنا بهذا المشهد الفريد، وبهذا العيد السعيد، ودعواتنا في هذا اليوم الكريم، يوم الحج الأكبر، والأضحى المبارك أن يعز الله أمة الإسلام، وينهي فرقتها، ويوحّد صفوفها، ويحرر أقصاها، ويدحر أعداءها.. وكل عام وبلادنا، وقيادتنا، وصروحنا، وشعبنا بخير.