لماذا لا نعيد الكرة الى مكانها الحقيقي وعدها لعبة رياضية للترويح عن النفس، فقد تجاوزت الكرة هدفها الحقيقي وتحولت الى اهداف سياسية خطيرة لست من هواة الكرة ولا المتتبعين لاخبارها ولكن هالتني الاحداث التي تخللت مباراة مصر والجزائر وكذلك الاحداث التي اعقبتها. حاولت جاهدة ان اجد تفسيرا وتحليلا مقنعا لمجريات الامور المخزية التي يندى لها الجبين وتخجل يد التاريخ من تسجيلها في اي ركن من شريطها الزمني. أمة تعصر خاصرتها الحروب وتعصب جبينها الهموم وتصهر قلبها الآلام وهي ساهية لاهية بين اقدام الكرة! الاعداء يحيطون ببرها وبحرها وجوها يتربصون بها الدوائر ولكنها بدلا من ان تهب من رقادها وتُعمل فكرها في وضع الخطط لصد الهجمات الموشكة ان تصب على رأسها انشغلت بتوافه الامور!!! أيعقل ان تصبح كرة القدم هي الربان الذي يدير دفة السياسة في البلاد العربية.؟! كرة قدم تفجر فتنة بين بلدين متجاورين تربطهما لحمة الدين والدم والجوار واللغة؟!! كرة قدم تفجر براكين الغضب في صدور الشعوب وتشعل فتيل التناحر وتؤجج نيران الحقد في القلوب؟؟!! كرة قدم تضطر رؤساء الدول الى التدخل!! وسفراء الدول الى التوقف!!! والجامعة العربية شمرت عن ساقيها وذراعيها لتفك الازمة وتصلح الحال مبادرات شهمة وسريعة لم نجد لها مثيلا في حل قضية فلسطين وقضية الشرق الاوسط!! ان ما يحصل اليوم لهو دليل قاطع على ما نعيشه من فراغ عاطفي وافلاس فكري وجهل بمجريات الامور واهمال لاحتياجات الشعوب. حقيقة ان ما حصل وما زال يحصل من قطيعة وخلافات بين بلدين اسلاميين عربيين بسبب كرة قدم يذكرني بما يحصل في الحارات من صراع بين اطفال الحارة حين يفوز فريق على الاخر ويتدخل الاهل ويبدأ الخصام بين الكبار وبقدر حكمة الكبار وتعقلهم او جهلهم وتهورهم يكون حل المعضلة فاذا كان الكبار ممن خفت عقولهم وضحلت ثقافتهم وقصرت حكمتهم فان فتيل المعركة سيزداد اشتعالا وتتحول الحارة الى ارض معركة تسيل فيها الدماء ويتحقق فيهم المثل الشعبي القائل: (يعملوها الصغار ويقع فيها الكبار) أما اذا كان الكبار من اصحاب الحلوم وأهل الحكمة والبصيرة فانهم يباشرون بانتزاع فتيل الخصام بتمزيق الكرة ورميها ونهر الصغار وتوبيخهم على هذا العمل الأرعن وتذكيرهم بحرمة الجوار وحق الصحبة والاخوان فيتصافى الصغار ويتصافح الكبار، فلماذا لا نتصرف مثل حكماء الحارة الذين يراعون حرمة الجوار فنخفف من غلوائنا في احترام لعبة الكرة وتقديسها والصرف عليها تلك الميزانيات الضخمة التي تحل مشكلات شعوب بأسرها. لماذا لا نعيد الكرة الى مكانها الحقيقي وعدها لعبة رياضية للترويح عن النفس، فقد تجاوزت الكرة هدفها الحقيقي وتحولت الى اهداف سياسية خطيرة واصبحت باعثاً للفتنة وشق الصفوف. ان حادثة المباراة بين مصر والجزائر يجب ألا تمر مرور الكرام حتى وان انتهت بالصلح اذ يتحتم ان يقف امامها أئمة الدين وعلماء السياسة وعلماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد واطباء النفس وقفة محللة تدرس مدى فقه الشعوب الاسلامية لقوله تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم). وقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا). وقوله تعالى: (ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). ويدرس علماء الاجتماع التكوينة المجتمعية لكل شعب وأسباب انفصالها عن الانتماء الديني والعربي واستهانتها بكل هذه الروابط وواجب علماء السياسة ان يبذلوا جهدهم لحل المعضلات السياسية التي تخنق العالم العربي والاسلامي حتى تحولت سياسته الى سياسة كروية وواجب علماء النفس ان يحللوا انعكاسات الاحداث الجارية في البلاد الاسلامية والعربية على نفوس الشعوب حتى بلغ بها الاحباط درجة الاستهانة بدم الأخ واهمال حق الجوار وعليهم ان يحللوا أثر تراكمات الاحداث على النظرة الشمولية للحياة. وأخيرا أحب ان أذكر بني قومي بأننا في ايام فضيلة وامام شعيرة من شعائر الله تهدف الى اجتماع القلوب وتوحد الهدف أليس لنا في شعيرة الحج عبرة؟ .