ليس كمثل بقية القطاعات والفنون، هو فن شعبي ونخبوي في وقت واحد، يقدم لعامة الناس ولصفوة الجمهور على السواء، متعدد الأنواع والأشكال، من فرد واحد إلى العشرات الذين يشاركون في عرض واحد، إنه فن «المسرح» أو كما يطلق عليه البعض «أبو الفنون وأقدمها». تأثر المسرح في العالم عموما وفي مصر خصوصا، بقطاعية العام والخاص، بتفشي جائحة كورونا، منذ مطلع العام 2020، التي تسببت في غلق الأنشطة كافة، بل وفي غلق دول بأكملها، ومايزال هناك تأثير لها على بعض القطاعات، لكن المسرح بدأ مع مطلع 2021، في التعافي نسبيا. وفي وقت تعطل المسارح سواء للعروض الفنية أو للحفلات الغنائية، ذهب الجمهور بأكمله لبدائل التكنولوجيا الحديثة، من منصات التواصل ومواقع العروض المتخصصة على شبكة الإنترنت، ولجأ بعض الفنانين مع بداية الأزمة للعروض المسرحية الافتراضية عبر الإنترنت، أو عرضها في التلفزيون. قناة خاصة للعروض على اليوتيوب ومع انهيار أهم أركان المسرح، وهو العرض أمام الجمهور المتلقي، وكسر الحواجز بين الفنان والجمهور، لجأت وزارة الثقافة المصرية لتقديم عدد من العروض المسرحية عبر شبكة الإنترنت، وصل عددها إلى 13 عملا، وخصصت لها الوزارة قناة خاصة باسم وزارة الثقافة على موقع «يوتيوب». ورغم نجاح هذه العروض، فإن الجمهور ظل متشوقا للقاء المباشر مع الفنانين، بما له من متعة خاصة وجاذبية لا توفرها المواقع الإلكترونية أو الجلوس أمام كمبيوتر. 720 ليلة عرض بحضور جماهيري لم تؤثر فترة إغلاق المسارح على وجود الأعمال المسرحية، لكنها أثرت على وجود أعمال جديدة، وبمجرد إعادة فتح المسارح للجمهور جزئيا مع تطبيق الإجراءات الإحترازية، بدأت الفرق المختلفة في كل القطاعات إعادة تقديم عروض جيدة أحبها الجمهور، مثل «أفراح القبة» و»المتفائل» و»رحلة سعيدة» و «الحادثة» و»ظل الحكايات» و»حريم النار» و»ريسايكل» و»يوم أن قتلوا الغناء». كما قدمت عروضا جديدة مثل «الوصية» و»عيلة الفقري» و»أبي تحت الشجرة» و»جنة هنا» و»سيد درويش»، وأنتج البيت الفني للمسرح التابع للدولة منفردا نحو 35 عرضا مسرحيا جديدا، منها 20 عرضا قدمت على مسارح البيت الفني المختلفة. ووصل عدد ليالي العرض إلى 720 ليلة عرض، بحضور جماهيري وصل إلى 60 ألف مشاهد خلال العام، وكانت مسرحية «أفراح القبة» إنتاج فرقة مسرح الشباب هي الأعلى في ليال العرض، حيث وصلت إلى 72 ليلة عرض، وكان أكثر العروض حضورا جماهيريا «المتفائل» من إنتاج فرقة المسرح القومي. الكبار ينافسون على مسرح القطاع الخاص وعلى الجانب الآخر، واصل القطاع الخاص تقديم عروض مسرحية، فاستمر الفنان أحمد عز في تقديم مسرحيته «علاء الدين»، وكذلك قدم الفنان يحيى الفخراني مسرحية «الملك لير» لفترة ثم توقفت أيضا، وقدم المخرج مجدي الهواري مسرحية جديدة بعنوان «هابي نيو يير بالعربي» بطولة بيومي فؤاد، محمد عبد الرحمن، محمد أنور، كريم عفيفي، وشيماء سيف. تعطش لعودة المسرح واستيعاب التكنولوجيا يقول الشاعر والكاتب المسرحي ميسرة صلاح الدين، عن هذه الفترة الصعبة من التاريخ المسرحي «قاسينا في ظل جائحة كورونا، وشهد المسرح حالة «حبس»، بعد غلق المسارح ووقف جميع الفعاليات الثقافية وفرض التباعد الاجتماعي، وبدون جمهور يفقد المسرح جوهره، لكن مع الوقت ومع إرادة الحياة والانتصار على الأزمة، بدأ المسرح في الرجوع بعد فترة كساد، وعادت العروض المسرحية».وتابع :»بعد 2020 تحول الأمر لحالة تعطش للمسرح والعروض المسرحية، بخاصة أن الجمهور بدا متحمسا للخروج من المنزل والقيام بأنشطة غير التي قام بها طوال فترات الحظر، وكان المسرح قبلة لهذه النوعية من الجماهير، ووجدوا فيه متنفسا لهم ومتعة في الوقت ذاته، لأن البشر في طبيعتهم تحب الخروج من الأماكن المغلقة وممارسة الحياة بحرية، ويريدون التظاهر بأي مظاهر تدل على الانتصار على المرض وانتهاء الأزمة». وأضاف: عاد المسرح لحالة الزخم مثل التي كانت موجودة في 2019، والمسرح بصفته أبا الفنون وهو أحد أقدم الفنون البشرية، تمكن طوال تاريخه من استيعاب العديد من التكنولوجيات، بعد أن كان مجرد خشبة ومجموعة ممثلين، بدأ يشهد الخدع، ثم تقنية الإضاءة. وأعتقد أنه مع وجود التكنولوجيا الحديثة، سيبدأ المسرح في التطور بشكل أكبر لمواكبة هذه التكنولوجيا، وهذا في صالح المسرح، لأنه سيطور من شكله، والجمهور يحب المسرح، مهما شاهد نجمه المفضل في السينما فمشاهدته على المسرح أمر مختلف، والدليل حفلات المطربين الحية، لأن الجمهور يحب الحالة المسرحية ويحب التمثيل الحي، وبالتالي يجد المسرح دائما القدرة على التكيف حتى يناسب متطلبات جمهوره. المسرح حالة خاصة والعروض المصورة «مسكنات» أما دكتور عمرو دوارة الناقد والمؤرخ المسرحي فيؤكد أنه «مما لاشك فيه أن المسرح المصري وككل الفعاليات الثقافية والفنية قد تأثر كثيرا بجائحة الكرونا اللعينة، ويكفي أن نرصد انخفاض أعداد الجمهور إلى النصف كضرورة لاتباع كافة الإجراءات الإحترازية ، وذلك بالإضافة إلى إغلاق الفرق الخاصة لأبوابها وأيضا اضطرار فرق مسارح الدولة إلى تقليص حجم الإنتاج وتخفيض عدد العروض التي تنتج حديثا نظرا لتكرار اعتذار عدد كبير من النجوم عن المشاركة في العروض المسرحية التي تتطلب المغامرة بإجراء البروفات والتعامل مع عدد كبير من الفنانين والفنيين والإداريين. ولكن مع ذلك فإن عدد كبيرا من العروض الجديدة مازالت تقدم وكذلك عددا كبيرا من الفعاليات المسرحية مازالت تنظم، وعلى سبيل المثال تم تنظيم الدورة الثامنة عشرة لمهرجان الهواة (الذي تنظمه هيئة قصور الثقافة) بمحافظة بورسعيد مع بدايه (أكتوبر) بمشاركة عشر فرق تمثل أكثر من محافظة، وأيضا تم تنظيم الدورة الرابعة عشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري والتى تضمنت كثيرا من العروض والأنشطة المسرحية (ورش فنية، ندوات فكرية)، ومن المزمع تنظيم الدورة السادسة لمهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشباب خلال الفترة من 6 إلى 11 نوفمبر، وذلك بخلاف استعداد وزارة الثقافة لإطلاق فعاليات الدورة 28 (الثامنة والعشرين) لمهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» خلال شهر ديسمبر المقبل. والحقيقة أن رجال المسرح يستحقون بالفعل كل التحية والتقدير على مجهوداتهم المستمرة وتعاونهم المثمر وإصرارهم على إضاءة أنوار جميع المسارح، خاصة وأن التحدي الحقيقي الذي يواجههم هو ضرورة تحقيق تلك العلاقة الحميمة مع جمهورهم والذي يطلق عليه الضلع الثالث والمهم لتحقيق الظاهرة المسرحية. وقال إن جميع المحاولات لتقديم عروض مصورة تليفزيونية عبر الشاشات والقنوات الفضائية - والتي أطلق عليها مسمى «المسكنات» - لايمكنها تحقيق متعة المشاهدة المباشرة بالمسرح والاحساس بنبض الممثلين وحبات عرقهم. وهذه المشاهدة المباشرة هي ما تميز العروض المسرحية عن باقي الفنون الدرامية في السينما والتليفزيون. وأعتقد أن السنوات القادمة سوف تشهد انطلاقا أكبر لعروض فرق الهواة الذين نجحوا في حمل شعلة المسرح المصري منذ الألفية الجديدة، ولذا أطالب وزارة الثقافة بضرورة الاهتمام بها وتوفير كافة السبل لهم للتجوال بعروضهم المتميزة بجميع أرجاء مصر.