معرفة الذي حصل في أفغانستان يعتمد على أي طرف يميل إليه الكاتب والمحلل السياسي.. والمحايد قد يكون أقرب للحقيقة من المنتمي المتأثر بالطرف الذي يتعاطف معه.. العنوان لهذا الطرح يعكس الواقع بأن هناك نصر وهزيمة في آن واحد، بل إن هناك وضع معقد ومركب يحتاج لمزيد من الوقت حتى تتضح الصورة.. الانسحاب الأمريكي تعتبره طالبان ومؤيديها انتصار على احتلال دام عقدين من الزمن انتهى بانهيار السلطة التي أعدتها أمريكا لاستلام الحكم وعودة طالبان للسيطرة على الحكم في أفغانستان بغض النظر عن أي طالبان يجري الحديث.. طالبان الجهادية التي أفرزت القاعدة.. أو طالبان بوجه جديد استوعب دروس العزلة والملاحقة والسجون وأصبح مواكبًا للعصر وليس خارجه...؟ بالنسبة للشق الثاني من السؤال فإن أمريكا مُنيت بهزيمة شبيهة بما حصل لها في فيتنام شكلًا ومضمونًا مهما حاول الرئيس جو بايدن تلوين مشهد الخروج وتبرير الانسحاب واختفاء الحكومة الأفغانية وجيشها الذي أعدته أمريكا بالتدريب والعتاد وسلمته مقاليد السلطة وأعلنت انسحابها على أن المهمة انتهت وأن أفغانستان استحقت الاستقلال بجدارة وشهادة براءة من أمريكا وحلفائها وهذا تمامًا عكس الذي حصل حيث اجتاحت طالبان المشهد بسرعة مذهلة وبدون مقاومة تذكر أدت إلى إخلاء المواقع والسيطرة على مخازن السلاح وكل مفاصل الدولة.. والمنطق يفضي بأن تلك كانت هزيمة لأمريكا لا جدال فيها حتى وإن كان هناك اتفاق سري بين طالبان وأمريكا أُبرم في قطر وتبخر بمفعول حرارة الجو خلال رحلته بين الدوحة إلى كابول. فيما يخص الانتصار فهناك من يهنىء الشعب الأفغاني الذي قدم التضحيات وعاش الحرمان وذاق أهالي المفقودين مرارة الحزن ولوعة الفراق وإذا كانت النهاية اسدال الستار على مشهد العنف والعنف المضاد فلا شك أن في ذلك رائحة انتصار.. وإذا كان الترتيب بين طالبان وأمريكا والنهاية الدراماتيكية مجرد خطة طريق للعودة إلى المربع الأول فإن الكل خسران.. طالبان خسرانة لأنها لم تستوعب الدروس وعادت إلى عادتها القديمة بحلم تكوين إمارة إسلامية في عالم العولمة وتقنية المعلومات، وصراع التفوق بين الصينوأمريكا مستمر على الريادة في كل المجالات.. أمريكا وإدارة الرئيس جو بايدن خسرانة لأنها أخفقت في فهم الجيش الأفغاني الذي زعمت أنه جاهز لحماية المكاسب من وراء انسحاب أمريكا الذي يفترض أنها ستعود على الشعب الأفغاني بالأمن والاستقرار ويبدأ مشوار تنمية مستدامة تجعل الشعب مواكبًا لمستجدات العصر واستغلال موارده الطبيعية لبناء حياة جديدة وترتيبات حُسن الجوار وتبادل المصالح تحت ظروف طبيعية آمنة ومستقرة مثلما فعلت اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا بعد الحرب الكونية الثانية. والخوف من كل الاحتمالات أن العقلية الانعزالية التي تعيشها أمريكا منذ تولي ترامب الرئاسة ورثها جو بايدن وإدارته وأدت إلى التخبط وسوء التقدير في صنع القرارات الاستراتيجية لأمريكا وحلفائها.. كما أن عقلية الكهوف التي تمرس فيها طالبان ستعود بشعب أفغانستان إلى الوراء ربع قرن وفي هذه الحالة من كلا الطرفين ستتحول نشوة النصر إلى هزيمة ساحقة..!