سقطت طالبان.. وعم الفرح الشارع الافغاني أو هكذا اظهرته شاشات التلفزيون في مختلف انحاء العالم وفي حين اوشكت الحملة الامريكية على افغانستان على تحقيق اهدافها وبدأ المجتمع الدولي في وضع الترتيبات لتشكيل حكومة افغانية وعقد مؤتمر دولي في هذا الاطار وأعلنت الاممالمتحدة أنها ستبدأ خطة لإعمار أفغانستان.. مؤشرات كثيرة ظهرت بعد انتهاء الحرب وسقوط كابول تفيد بأن افغانستان التي عانت أياما طويلة من القصف الامريكي الذي دك مواقع كثيرة وأسقط العديد من المدنيين الأبرياء قتلى حققت الكثير من المكاسب من الحملة الأمريكية عليها، بل ان البعض ذهب الى ان افغانستان تقف على اعتاب عهد جديد تنتهي فيه الصراعات الداخلية والحرب الأهلية وتبدأ مرحلة بناء الدولة الحديثة. لكن.. هل حققت افغانستان مكاسب بالفعل من وراء الحملة الامريكية؟ ام ان هناك العديد من الخسائر التي اختفت وراء الفرحة بسقوط طالبان؟ وماذا كانت تداعيات هذه الحملة على الفصائل والطوائف المختلفة داخل افغانستان؟ التقرير التالي بحث عن اجابات لكل هذه التساؤلات. سقوط طالبان البداية ستكون مع اكبر المكاسب التي حققتها افغانستان كما يؤكد معظم المراقبين والمحللين وهو سقوط طالبان بسياساتها القمعية وقوانينها المتشددة التي عانى منها الشعب الافغاني رجالا ونساء وهو ما عبر عنه الافغان بالفرحة، وعلى الجانب الآخر ظهرت بوادر انفراجة في العلاقات الافغانية الخارجية مع دول العالم بعد ان كانت طالبان قد أغلقت عداءات الدول لأفغانستان باعتبارها دولة راعية للارهاب وباعتبار تنظيم القاعدة الذي كانت تؤويه الحركة وراء معظم العمليات الارهابية التي تحدث في مختلف دول العالم. بدأت الدول تمد يد العون للشعب الأفغاني وتدعو لإعمار افغانستان وتبنت الاممالمتحدة هذه الدعوة، وتدفقت المساعدات الدولية على افغانستان من جانب الحكومات الدولية المختلفة ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما أعطى بشائر بانتهاء زمن المجاعة الذي عاشه الشعب الافغاني تحت سيطرة طالبان، كما تعهد المجتمع الدولي بحفظ السلام داخل افغانستان والعمل على وقف الحروب والصراعات الداخلية التي استنزفت معظم الموارد الافغانية وهو ما سيعطي الفرصة لإحداث التنمية وممارسة انشطة الزراعة والتجارة وفك عقدة الفقر والكساد الذي ساد البلاد في الفترة الماضية. قد تبدو الصورة اكثر اشراقا خاصة في ظل حكومة متعددة الاعراق ترضي جميع طوائف الشعب يجري الاستعداد لتشكيلها حاليا ولكن كل ملامحها مجرد وعود ومراهنات على مستقبل غامض تحكمه مصالح دول عديدة تراقب بحذر ما يجري على الاراضي الافغانية وكل هذه الوعود تواجه الكثير من التحديات في تنفيذها وأهمها قوات طالبان التي مازالت متمركزة في قندهار والخلافات التي ما زالت قائمة بين الفصائل والطوائف الافغانية المختلفة. أطراف رابحة من ناحية اخرى حظيت اطراف وفصائل معينة في أفغانستان على بعض المكاسب الخاصة بها بجانب المكاسب الافغانية ككل ولعل على رأس هذه الأطراف المرأة الافغانية التي كانت تضعها في دائرة العزلة التامة عن المجتمع وتخرج الى الشارع دون الحاجة لرفقة محرم والتمتع بحق العلاج لدى الطبيبات. كما أصبح المجال مفتوحا أمام المرأة لممارسة العمل في بعض المجالات مثل الرجال ودخول المدارس والحصول على التعليم. وهناك طائفة الشيعة الافغانيين والمتمركزين قرب الحدود الايرانية كامتداد عرقي للشيعة الايرانيين والذين عانوا الأمرين تحت حكم حركة طالبان التي مارست ضدهم أبشع الافعال والتعصب الديني الذي وصل الى حد تكفيرهم للشيعة وارتكاب مجازر بحق قبائل الهزارة التي ينتمون إليها ولم يحمهم من بطش طالبان إلا الموقف الايراني الذي كان يتدخل من حين لآخر لحمايتهم والدفاع عنهم. ساعدت الحملة الامريكية الشيعة على التخلص من طالبان دون جهد منهم وأصبح الجو مهيأ لهم للعيش في سلام ولممارسة حقوقهم كباقي الطوائف والعرقيات الافغانية الاخرى بل والمطالبة بالمشاركة في الحكومة الافغانية المقبلة وهو ما لم يكونوا يحلمون به تحت سيطرة حركة طالبان. تحالف الشمال ايضا كان من أكبر الاطراف التي حققت مكاسب من وراء الحملة الامريكية على افغانستان والحقيقة ان اتفاق المصالح بينه وبين أمريكا جعل كلاهما يحقق مكاسب من وراء الآخر ففي حين اعتبرته امريكا يدها المتحركة على أرض افغانستان في ظل صعوبة إنزال قوات برية ودعمته بكل قواها، فقد مهدت الضربات الامريكية والقصف الجوي القوي المتتابع لمواقع حركة طالبان الطريق أمام قوات تحالف الشمال للزحف نحوهم والسيطرة على المدن التي ينسحبون منها، وحقق تحالف الشمال انتصارا كبيرا على حركة طالبان بسبب الضربات الامريكية بعد ان تم اغتيال قائده أحمد شاه مسعود وكان مهددا بشدة من جانب قوات طالبان. وفيما أصبح تحالف الشمال هو المسيطر على كابول والمناطق الافغانية المحررة من طالبان إلا أن استمراره في هذه السيطرة او تحقيق الوعود بالمشاركة في الحكومة الافغانية مازال رهن الادارة الامريكية خاصة وان تحالف الشمال اصبح لا يتمتع بشعبية كبيرة في الاوساط الافغانية بعد عمليات القتل والنهب والسلب التي مارسها في الشوارع الافغانية بعد دخوله كابول. وأخيرا يأتي ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه على قائمة الرابحين من الحملة الامريكية فقد هيأ له الانتصار الامريكي العودة الى افغانستان بعد ان كاد يطويه النسيان في منفاه بالخارج، ولاسيما ان معظم الاطراف بما فيها الشعب الافغاني تتفق على عودته بغض النظر عن شكل وتكوين الحكومة المقبلة وان كان الشعب الافغاني لا يريد عودة نظام الملكية ولكن يرى في عودة الملك الذي تجمع عليه الآراء سبيلا لوحدة الشعب الافغاني خاصة وانه يتمتع بشعبية كبيرة ولديه القدرة على تحقيق وحدة وطنية لكل هذه الفصائل والطوائف المتصارعة في أفغانستان. اطراف خاسرة وعلى رأس الاطراف الخاسرة تأتي حركة طالبان التي اوشكت على الانهيار ولم يبق لها إلا معقل واحد في قندهار مازال يتعرض للقصف الشديد وقد يخضع للاستسلام في أية لحظة لتضع نهاية لتلك الحركة التي مثلت هي وتنظيم القاعدة الذي تحتويه شبح رعب بالنسبة للكثير من الدول كمركز لرعاية الارهابيين وانطلاقهم لتنفيذ عمليات ارهابية تهدد الاستقرار في الكثير من بلدان العالم خاصة امريكا. وبالرغم من كونها على وشك السقوط إلا ان المراقبين يرون احتمال صمودها في قندهار والانطلاق منها لممارسة الحرب مرة اخرى قائما وشن حرب العصابات التي ستؤدي الى فوضى تامة في افغانستان وتعيد الحرب الاهلية ويوكد البعض ذلك في ضوء الانسحاب المفاجئ لطالبان والذي ما زال لغزا محيرا وغير واضح الاهداف حتى ان البعض يرى فيه اعادة لترتيب الاوراق واستجماعاً للقوة الباقية في ظل حرب غير متكافئة الاطراف. الا ان ذلك لا يمنع ان طالبان منيت بهزيمة وخسارة كبيرة نتيجة للضربات الامريكية وزحف تحالف الشمال وتخلي باكستان عن دعمها لها والذي كان السند الوحيد لها في ظل العداءات الدولية المتزايدة ضدها. ومن ناحية اخرى اصبحت طالبان والقاعدة عرضة للابادة والتصفية النهائية وقد تعرض الكثير منهم لذلك بالفعل وعلى رأسهم ابوحفص المصري الذي اعتبر قتله أكبر خسائر طالبان.. كما اصبحت عناصر القاعدة وطالبان محاصرة بعولمة أمنية شديدة ومعرضون للمطاردة في أي مكان يذهبون اليه في العالم. وبسقوط طالبان ظهر خاسر اخر وهو قبائل الباشتون وقبائل الجنوب الافغاني التي كانت تدعم طالبان وتؤيدها وكانت تتمتع بمركز هام ومكانة عالية بين الفصائل والطوائف الافغانية الاخرى باعتبارها اكبر القبائل الافغانية الى جانب ان الكثير من اعضاء طالبان ينتمون اليها وبالتالي كان لهم النصيب الاكبر في الحكومة التي تسيطر على افغانستان. لا شك ان قبائل الباشتون والجنوب قد اصبحت بعد طالبان تواجه العديد من التحديات والمخاطر المتعلقة بنظرة المجتمع الدولي وعلى رأسه امريكا لها على أنها كانت تدعم طالبان وهو ما سيؤثر على مجريات الامور التي تتحكم في مشاركتهم في الحكومة المقبلة وهو ما حدث بالفعل خلال مؤتمر بون الذي انعقد بشأن تشكيل الحكومة الافغانية حيث انسحب ممثل الباشتون حاجي عبدالقادر بعد ان اعلن عن عدم ارتياحه الى طبيعة تمثيل العرق الباشتوني ونسبته في تشكيلة وفد تحالف الشمال وهو ما يؤكد الموقف الدولي من التمثيل الباشتوني ويؤكد ايضا مستقبل علاقة الباشتون بالقبائل والطوائف الاخرى والحكومة المقبلة والتي سيسودها كما يشير بعض المراقبين الكثير من التوتر والصراعات التي قد تكون خفية أو معلنة في الغالب. خسارة الشعب تبقى الحصيلة ان الخاسر الأكبر من الحملة الامريكية على افغانستان هو الشعب الافغاني نفسه والذي ذاق الامرين من جراء القصف الامريكي المتواصل لعدة اسابيع وبكامل قوته التي لم تسلم منها الاهداف المدنية وكانت الحصيلة مناطق مدنية دمرت تماما بل واختفى بعضها من على خارطة افغانستان واعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الابرياء. هذا الشعب اصبح كما عانى من طالبان الا انه اكتوى ايضا بنار قوات تحالف الشمال التي اعملت فيه السلب والنهب عقب دخولها المدن الافغانية وأصبح ايضا ذا مستقبل مجهول تتحكم فيه فعليا أمريكا وظاهريا المجتمع الدولي تحت مظلة الاممالمتحدة وهذا يعتبر انتهاكا كبيرا للسيادة الوطنية للدولة الافغانية بدأته امريكا مع قصفها الجوي الذي عارضته دول كثيرة مع بداية الحرب وتراجعت بعد ذلك تحت الضغط الامريكي. أيضا يعيش الشعب الافغاني حاليا حالة من الفراغ السياسي والخوف والترقب الشديد من المستقبل المجهول واحتمال اشتعال الحرب الاهلية والصراعات العرقية، ومع كل هذه المعاناة والتخوفات لم يحصل الشعب الافغاني الا على مجرد وعود قد تنفذ رغم صعوبتها وقد تذهب أدراج الرياح.