ليس أمام الزعيمين الأثيوبي والارتيري سوى التزام الهدوء وضبط النفس، حيث يمتلئ ملف قضية التيجراى بالعديد من الثقوب الكافية لتحقيق دولي، قد يقود لثبوت وقوع جرائم حرب متكاملة الأركان ومتعددة الأشكال والألوان! وأرجو هنا ألا تعود هذه الأيام التي كنت شاهداً عليها، كمحرر ميداني متجول في القرن الأفريقي، حيث كتبت من هناك سلسلة تقارير وتحقيقات عن معسكرات الاضطهاد والقتل والحرق والاغتصاب! كنت أقرأ في القصة التي نقلتها مراسلة "رويترز" على لسان "ميبراك إسايوس" البالغة من العمر 14 عاماً، عندما اقتحم الجنود منزلها في إقليم تيغراي الإثيوبي وقتلوا أباها وأمها.. تمنيت في هذه اللحظة ألا يعيد التاريخ نفسه، فقد نقلت روايات أكثر دموية ومأساوية قبل نحو ثلاثين عاماً، وتحديداً عامي 1989 و1990 قبل أن يتمكن الحليفان "جبهة تحرير تيغراي" و"الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا" من الإطاحة بنظام الرئيس الراحل "منجيستو هيلا مريام" عام 1991. فما الذي جرى هذه الأيام بين الحليفين السابقين، ودفع وفاء سعد نائبة منسق مساعدات الأممالمتحدة في إثيوبيا لأن تقول، إن خمس عيادات طبية في منطقة تيجراي بإثيوبيا سجلت أكثر من 500 حالة اغتصاب! وأن النساء اللائي تعرضن للاغتصاب من عناصر مسلحة، روين قصصاً عن اغتصاب جماعي واغتصاب أمام العائلات، وإجبار رجال على اغتصاب نساء من عائلاتهم تحت التهديد بالعنف! الآن وبدون الدخول أو الرجوع الى تفاصيل أحاول نسيانها عن معسكر "الكوكب الأحمر" رغم أنها قادتني شخصيا للفوز بجائزة الصحافة العربية، أقول إن قائمة الاتهام بارتكاب «جرائم حرب»، تتضمن أعمال قتل واغتصاب، جاهزة، وإن المتهمين لن يخرجوا بحال من الأحوال عن أفراد القوات الإثيوبية والإريترية. وفيما أقرّ آبي أحمد ، قبل أيام، لأول مرة، بحدوث فظائع مثل الاغتصاب، قائلا إن أي جنود ارتكبوا جرائم سيُعاقبون، قال شهود لوكالة «رويترز» إن الجنود الإريتريين كانوا يقتلون المدنيين بانتظام وارتكبوا عمليات اغتصاب جماعي وعذّبوا النساء ونهبوا البيوت والمحاصيل. ربما كان ذلك، وراء السفر المفاجئ لرئيس الوزراء الإثيوبي، الى العاصمة الارتيرية أسمرة، وعودته مغرداً: «خلال محادثاتي مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وافقت الحكومة الإريترية على سحب قواتها إلى خارج حدود إثيوبيا»! هكذا وببساطة، أكد آبي أحمد أن إريتريا وافقت على سحب قواتها وتولي الجيش الإثيوبي حراسة الحدود بين البلدين بشكل فوري! على أن ذلك، وإن بدا "سمناً على عسل" لن يكون كافياً لاغلاق ملف التيجراي المفتوح أو المفضوح عالمياً، حيث عبرت الأممالمتحدة عن قلق بخصوص الفظائع التي يتم ارتكابها، فيما وصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأعمال التي نُفذت بأنها تطهير عرقي، وهو الأمر الذي تنفيه وترفضه إثيوبيا، وترفضه ارتيريا أيضاً! وهنا قال حزب المعارضة الإثيوبي «سالساي وياني تيغراي»،، إن أي اتفاق لانسحاب الجنود الإريتريين «لا فائدة منه» دون «وجود هيئة تنظيمية دولية للإشراف على الأمر والتحقق منه». وكتب هايلو كيبيدي مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب على «تويتر»، إنه «مستوى آخر من الخداع، وهي لعبة يمارسونها منذ فترة طويلة». وأضاف: «اسحبوا كل القوات وشكلوا فريقاً دولياً للمراقبة. يجب ألا ينخدع العالم مجددا». لا أريد، ولن أسمح لنفسي مرة أخرى بالدخول كطرف في القضية، فقد مضى عهد الانفعال والعصبية، لكنى أتمنى ألا يعيد التاريخ نفسه، وألا تعود فظائع تلك الأيام!