في زمن البحث عن الظهور والشهرة أصبح كل شخص يلقب نفسه بما يشاء بعلمٍ أو بدون علم، وكل هذا ليعطي نفسه صبغة معينة حتى يقتنع الآخرون بما يقوله، ومن أسهل المجالات في العصر الراهن المجال الشرعي، فتجده مرة باحثاً شرعياً وفي الأخرى مفكراً إسلامياً أو مستشاراً شرعياً أو قانونياً.. إلخ.. فيقحم نفسه ويخوض في فن ليس فنه أو تخصص غير تخصصه أو مجالٍ هو غير أهل له، فيأتي بالعجب العُجاب. وبالمختصر المفيد، عند كل عالم ومتعلم من شعوب الأرض، هناك إيمان تام بالتخصص.. فإذا أُصيبَ العامي بوجع الضرس فلن يذهب للنجار ليخلع له ضرسه إلا إذا كان لديه نقص في عقله.. ومن أراد البناء سيذهب لمكتب هندسي، ومن وقع في محظور بالطبع سيذهب للعالم ليفتيه فيما وقع فيه وعليها فقس. ولكن الغريب في بعض اللقاءات التلفزيونية مع بعض هؤلاء الأشخاص آنفي الذكر، قد يكون المذيع أعلى رتبة علمية من الضيف أو أوسع اطلاعاً منه فإذا ناقش ضيفه في مسألة أحرجه، فتجده يلتقط من كل شاردة وواردة سواءً كانت صوابًا أم خطأً، وإذا عجز عن الجواب قال هذا كلام فقيه لا دليل. والأمثلة على هذا كثيرة، ومنها خوض بعض الرقاة في مجال الطب ووصف بعض أنواع الأطعمة لعلاج الأمراض.. ومنها خوض بعض القراء في مجال الإفتاء.. ومنها وهو الأغلب والأشهر والأكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة، خوض كثير من الجهال في نقد التراث الإسلامي وخاصة التراث الفقهي، تحت مسمى باحث شرعي، وحين يتحدث تجده في جانبٍ والبحث في جانب آخر، بل لا يفقه في أبجديات البحث وتحرير المسائل.. والعجيب تبجحه بإعمال العقل والاجتهاد والأخذ بالرأي وإعمال الدليل وأن الشريعة فيها ثوابت ومتغيرات وغيرها من المصطلحات التي يقحمها في حديثه ليوهم الناس بأنه عالم. وعلى أية حال: عزيزي الباحث (الجاهل) اعلم أن التراث الفقهي ليس بحاجة لبحثك، والفقهاء قديماً وحديثاً يعملون بهذا وعندهم أدلة مجمع عليها، وهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وأدلة مختلف فيها وهي: المصالح المرسلة والعرف وسد الذرائع والاستحسان وقول الصحابي وعمل أهل المدينة ونحوها. وأخيراً: ألا يستحق أمثال هؤلاء وضع أنظمة وقوانين للحد من ظهورهم عبر القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي؟ فضررهم أكبرُ من نفعهم، ومن تجرأ على الله وشريعته تجرأ على غيرها.