سألج إلى هذه القراءة من خلال المداخل التالية: 1- جعل المملكة مركز العالم وقائده: لم يقتصر دوره على أن يكون وزيرًا مسؤولاً عن البترول وما يتعلق بشؤونه فقط؛ بل تجاوز ذلك على أن يستثمر تلك الطاقة إلى رصيد معنوي عند العالم؛ عرف حاجة العالم لهذه الطاقة وعرف بثاقب نظره أن العالم عالم مصالح وتبادل منافع؛ فسلك بذلك سبيلا مرنًا لا يفرط في زبائنه ولا يستسلم لضغوطهم؛ فحافظ على أسعار النفط في مستوياته التي تريدها المملكة على الرغم من تذبذب الأسعار في عهده؛ فوصلت أحيانًا إلى درجات متدنية ولكنه سرعان ما يعوض ذلك التدني بحنكة بالغة. 2- تأسيسه لمنظمة (أوبك)؛ هذا المشروع العظيم من أهم المشاريع المنظمة لسياسة البترول على مستوى العالم؛ فبفضل حنكته التي كان يتمتع بها بين زملائه وزراء النفط في هذه المنظمة العالمية استطاع أن يوحد السياسات تجاه هذا الذهب الأسود الذي تختزنه هذه الدول وتتعامل به مع العالم في حال تزايد العرض؛ وحال انخفاضه؛ وقد كاد هذا الأمر أن يؤدي بحياته وحياة زملائه وزراء المنظمة فقد حبس العالم أنفاسه حين انقض عليهم مسلحون في اجتماع في (فيينا) العاصمة السويسرية بقيادة (كارلوس) وأخذوا يجولون بهم من عاصمة إلى أخرى إلى أن تم إنقاذ الرهائن في الجزائر؛ وكان كارلوس هذا يتمتع بحنكة ودهاء ومع جانبه العنيف فقد كان يحمل في طياته بعدًا إنسانيًا ومعرفة بالثقافة الأدبية؛ كشف لي هذا البعد الصديق الأستاذ (علي بن عويض الأزوري) الذي استمع إلى لقاء مع كارلوس باللغة الفرنسية مع محاميه كان طيلة اللقاء يتحدث كارلوس عن قضايا الأدب والثقافة. 3- البعد الإنساني والتحمس لإبراز ثقافة مكةالمكرمة: وهذا أمر محفور في ذاكرة الأكاديميين والباحثين والباحثات من مشرق الوطن العربي ومغربه يحلون في ضيافة الشيخ أحمد زكي يماني ويمنحهم المكآفآت الجزلة والسخية التي تقترحها عليهم لجنة (جائزة محمد حسن فقي) التي أسسها الشيخ يماني بمكةالمكرمة؛ وقد شرفت بحضورها مرات عدة؛ وفي أحد المرات كان المحور (بغداد في الشعر العربي) وقد قدمت في ذلك بحثًا كان من ضمن أعمالي للترقية لدرجة أستاذ، وقد شرفت أيضًا بحضور ندوة أخرى محورها (المدينةالمنورة في الشعر العربي) وقد قدمت فيها بحثًا أيضًا ويتجلى البعد الإنساني في هذا الأمر في عدة أمور أذكرها باختصار فيما يلي: أ- بعده عن الذاتية؛ فعلى الرغم من أن الشيخ يماني هو المؤسس إلا أنه وهب الاسم للشاعر المكي (محمد حسن فقي) رحمه الله. ب- حرصه على محادثة ضيوفه أثناء الاستراحات وتناول الوجبات؛ فكان يحادثهم وهم يتحلقون حوله وهم يعجبون بما يتمتع به من حنكة وذكاء وحب لضيوفه؛ كأنه يعرفهم من عشرات السنين وذلك لأنه قارئ نهم شغوف بالقراءة والبحث؛ في أغلب ظني أنه لا يكتفي بتقارير لجانه عن البحوث بل إنه يطلع عليها ويقرؤها كما بدا لي ذلك أثناء جلوسه مع الباحثين؛ ليس الأبحاث فقط؛ بل يكون قد قرأ مؤلفاتهم الثقافية. ج- حرصه على إلغاء الفوارق الطبقية بينه وبين ضيوفه؛ فهو وزير النفط وهم مع حفظ أقدارهم مجرد باحثين وهبوا حب البحث والكتابة؛ ولكن الشيخ يماني لم يسمح لهذا الفرق أن يكون حاضرًا أثناء استضافته لهم في القاهرة؛ بل كان يحادثهم ويروي لهم النكات والمواقف الطريفة التي حدثت له وتحدث أثناء عمله بالوزارة وغيرها؛ وهنا القلم أظن أنه آن له أن يصمت حتى لا يقع في هذر لا يليق بالشيخ؛ الذي عمر حياته بالحب والعطاء؛ وحمل لآخرته حب محبيه ودعواتهم له بالجنة والمغفرة والرحمة؛ رحمه الله رحمة واسعة؛ وجعل ثرى قبره مهادا له من نعيم الجنة ولحافًا.