(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). رحل عثمان عابدين الزول السوداني الزين الأصيل والصحفي المتمكن القدير رحل وقفشاته تملأ المكان، كان يخاطب زملاءه حسب لهجتهم يرسلها مرة بلهجة مصرية محببة وأخرى سعودية حجازية، تهامية، نجدية، وأكثرها بسودانية قحة فهمها من فهمها وجهلها من جهلها، كان عثمان مرجعًا في الترجمة من الإنجليزية والإسبانية إلى العربية، رحل دون أن يمهله هاذم اللذات قليلا حتى يلملم أوراقه وأطرافه ويكتب وصيته رحل وهو على رأس العمل والأمل يحدوه لعمل الكثير، رحل بعد أن فرغ من تسليم الصفحات الموكولة إليه وحضر اجتماعًا لإدارة التحرير بحث معهم مستقبل العمل، اتصل بأسرته الصغيرة في ذلك الصباح الموعود ولا شك أنه بثها حنينه وشوقه ووعدهم أنه لم يبقَ له الكثير للرجوع اليهم، بعد أقل من ساعة طُوي قيده بالدنيا وسلم صفحاته إلى حكيم خبير، رحل وكتبه ودفاتره مبعثرة بين سكنه ومكتبه، رحل وهموم صغيرة عالقة بذهنه يريد إنجازها منها تأسيس دار للأسرة وعلاج ابنه المريض ومتابعة دراسة وزواج أبنائه كل هذا في ذاكرة الأمل التي تتسع يوما بعد يوم. عشق عثمان الصحفي عمله ومنحه جل وقته وجهده ولم يدخر شيئًا لصحته وراحته ورفاهيته، وظل يعمل لأكثر من أربعين عامًا بين السودان والمملكة جلها في صحيفة المدينة بجدة، مات كما الأشجار واقفًا وتلقى رسل ربه في الموقع حيث كافح ونافح عن المملكة أهلها وأرضها وحرمها المقدس وأسلم الروح لبارئها عند مغيب ليلة الجمعة المباركة ودفن في نهار الجمعة بعد أن صلى عليه جمع غفير من المسلمين ووقفوا طويلاً للدعاء له وقد حامت فوق رؤوسهم أسراب الحمام وكأنها تأمِّن على دعائهم في منظر لاحظه كل من حضر الجنازة. وقد شهد له الجميع بالخير وقد انصرفوا ما بين داع وباك ومسامح، ولم لا وقد رحل ولم يكن في جيبه إلا مفتاح الشقة ومسبحته الإلكترونية. شيعه زملاؤه وأهله مواطنون ومقيمون وتدافعوا وحرصوا على وداعه وكان التشييع مهيبًا والألسن تلهج بخلقه وطيبة قلبه وبساطته، رحم الله عثمان عابدين وغفر الله ذنبه وأسكنه فسيح جناته وألزم أهله وذويه وزملاءه ومعارفه الصبر والسلوان.