داعبت وجنة ورقتي وهي تغفو على كنفِ مكتبي، أيقظتها لأعزف معها لحنًا كنت قد وعدتها به.. كنت قد عقدت معها أن يكون هذا اليوم يومًا للحرف، يومًا للجمال، فدائمًا أرى أن للحرف ظلًا يرسم بجمال، وللكلمة قصة تروى. أنا كاتبةٌ للحرف، وجامعةٌ للكلمة، إن تمرد الحرف فهذا أنا، وإن تبعثرت الكلمات فأيضًا أنا، وإن ضجّ وبحّ صوتُ الحرف فهو لي. وضعتها، ابتسمت لها، أخبرتها أن الشمس ستحيّيها. ورقتي بيضاء، تمتطيها أسراب نوارس، تحاكيها سحابة، أحاول جاهدةً أن أعود بها إلى الحياة، أُريها تلك الحروف التي ظلّت بين صفرٍ وواحد، بين التعريب والتغريب. أعود بكم لأخبركم عن عتمة ورقتي البيضاء، كيافعةٍ دار بها الزمان، لتلقى في دلوِ بئر النسيان.. هي متعددة المواهب، جميلة، باهية زاهية، تحب الأعياد، تقيم حفلًا راقصًا مليئًا باللآلئ والأصداف. أتعلمون؟، هي لا تشيخ ولا تهرَم، لا تنحني ولا تُهدَم.. نعم أخبرتك بذلك. أرأيت ذلك المتوارِ في زوايا ظل النوارس، يخطو بأنامله شيئًا يتمتم به، نعم أحسنت هو كاتبٌ للحرف يزرعه زهرًا ويجنيهِ شهدًا.. أريد منكِ أن تتركي ذلك النحيط فاليوم يومٌ للحرف. لازال دفتري يحمل عناويني، لازلت للحرف ساحرة، فمهما خرجت حياتنا يومًا عن النص سنتعلم حينها الارتجال ثم نعود إليك نبني بحروفك قصورًا وجبالًا وسماء، بحروفك نضحك، وبكلماتك نكون وبآياتك قرآنًا نتلو. - لحظة صمت.. - داهمتني بقولها: وهن العربية يكادُ يقتل الإبداع. - هذا هراء بل هو عجز المبدعين عن الحلم. التواصل مع النصوص والحروف كتواصلنا مع أجناس مثلنا، لكل نصٍ مِزَاجه، يحتّمُ علينا نمطًا من التلقي متى كنَّا كقراء مبادرين لفهم مزاج تلك النصوص والكلمات حضر بيننا الأُنس والحب. - عالمٌ رقمي يكادُ يلغيني. - بل عالمٌ بأجمعه يرويكِ، يحكيكِ من خلف ذلك العالم، انظري الجميع يتغنى بك، فتلك تقدم حفلًا أنتِ عروسه، والأخرى تلقي قصيدةً تتغنى بِكِ بين أبياتها. فحتى في حضرة الفضاء الرقمي سنبقى نغني لحنًا أنتِ وتره، وستبقين للكون كلُّه.